إمبراطور التبغ الأردني مجدداً: أطراف إقليمية في المشهد وتهريب السجائر «باق ويتمدد»
لا تبدو الضربة التي وجهت لمن يسمى إمبراطور التبغ المهرب في الأردن، رجل الأعمال السجين عوني مطيع، قوية وعميقة وجذرية بما يكفي.
المؤشرات تتجمع مجدداً وتقول بالدلالة الرسمية والإيحاء التجاري بأن نشاط السجائر المهربة فعال ومتواصل بالرغم من تفكيك شبكة مطيع والتحقيق مع أكثر من 35 شخصاً.
عبيدات أول من علَّق الجرس: القضية أكبر بكثير من مطيع
الجديد تماماً في الموضوع، والذي تمتنع السلطات الأردنية عن الإشارة إليه، هو بروز سيناريوهات واحتمالات قوية لوجود عدة شبكات ناشطة في السوق الأردنية والسوق المجاورة في تهريب السجائر، ما يمنح المسألة طابعاً إقليمياً هذه المرة وليس محلياً فقط. فالبيانات الرقمية التي أفصحت عنها وزارة المالية ودائرة الضريبة مؤخراً تصل إلى نتيجة حتمية بعنوان يقول بوضوح بأن النشاط في مجال تهريب السجائر لا يزال قائماً وصامداً بالرغم من كل الجهود التي بذلت على هامش قضية مطيع والتبغ المهرب.
انخفضت واردات الخزينة من عوائد الضريبة على بند السجائر فقط في الربع الأول من العام 2019 بمقدار مئة مليون دينار على الأقل. هذا الرقم صدم وزير المالية عز الدين كناكرية، ودفع رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز إلى البحث عبر مجموعة خبراء والتوصل إلى قناعات عبّر عنها سابقاً بعض أعضاء البرلمان، والمستثمرون في القطاع المعني بتصنيع السجائر. وهي قناعة عبر إنتاج اليقين الرقمي والسياسي بأن ضرب شبكة مطيع واعتقاله مع أعوانه لم يؤدّ عملياً إلى فوارق كبيرة في مسألة تهريب السجائر إلى السوق المحلية، حيث انخفاض الواردات الضريبية هنا في ثلاثة أشهر كان مؤشراً مقلقاً عبر عنه رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات خلال لقاء مغلق في الديوان الملكي، عندما قال بأن قضية التبغ والسجائر أوسع وأكبر بكثير من الحيثيات المعلنة في قصة مطيع.
عبيدات، وهو يدير أحد أبرز وأهم المكاتب القانونية، أبلغ لحظتها بأن المستثمرين الأمريكيين المتضررين من عمليات مطيع والذين ضغطوا على الحكومة الأردنية، زاروه في مكتبه. وتلك إشارة من عبيدات توحي ضمنياً بأن ملف تهريب التبغ والسجائر له طابع أقليمي ودولي، ولا ينحصر على الأقل في الحالة الأردنية في التساؤلات التي أثارها نمو الأعمال غير الشرعية لشبكة مطيع.
في كل حال، وبعد انخفاض واردات الضريبة بمبلغ لا يمكن السكوت عنه أو عنده، طلب الرئيس الرزاز التدقيق وفهم ما الذي يجري بصورة محددة.
القناعة بموجب الأرقام أربكت الطاقم المالي والاقتصادي، ووزارة المالية بدأت تحاول البحث عن قصور محتمل في الاستمرار في مواجهة تهريب السجائر والتبغ المزور، ويبدو أن الحركة غير الشرعية هنا تشمل دولاً في الإقليم أيضاً، من بينها العراق وسورية ولبنان والسعودية وحتى مصر.
بمعنى آخر، القبض على مطيع وتفكيك شبكته قد يكون جزءاً من تصفية حسابات بين نافذين آخرين في المنطقة ما زالوا يعملون في مجال تهريب التبغ والسجائر.
والأرقام هنا تقول بوضوح أن الأسواق المحلية ما زالت تشهد نشاطاً موازياً في مجال السجائر المهربة بالرغم مما حصل في قضية مطيع، حيث لا يورد من يبيعون السجائر المهربة، والتي تصنع على الأرجح في المنطقة وفي الإقليم، ضرائبهم إلى الخزينة الرسمية. والموقف يحتاج إلى مزيد من التأمل والتدقيق، وعبيدات قرع الجرس قبل الجميع عندما قال إن القضية أكبر بكثير من مطيع.
في الأثناء، يتحدث صناعيون متمرسون وشرعيون في مجال التبغ والسجائر عن احتمالية خروجهم من السوق قريباً، لأن الجهود الرسمية والأمنية لا تقاوم بما يكفي نشاطات التهريب، وبسبب الخسائر التي تتراكم على بعض المصانع التي قامت فعلاً بتسريح موظفين وتستعد لإغلاق مكاتبها.
المعنيون بصناعة السجائر في الأردن يتحدثون عن قصور تشريعي وعن إخفاق تشريعات الجمارك في محاسبة ومعاقبة من يتمكن من بيع السجائر المهربة، وبالتالي يسمح ذلك بتواصل شبكات التهريب ونشاطاتها وبصورة بعيدة عن القانون وأصوله، الأمر الذي يستدعي المحاذير الحكومية والسياسية مجدداً.
في الوقت نفسه، تؤشر أوساط رسمية على أن انخفاض واردات الخزينة من عائدات وضرائب السجائر مرده انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين وزيادة الإنفاق والنقد، وقد لا يكون له علاقة عضوية باستمرار التهريب بقدر ما له علاقة بلجوء آلاف المدخنين إلى السيجارة الإلكترونية ولأسباب اقتصادية.
مثل هذا المنطق قد لا يصلح لتطمين مقر رئاسة الوزراء ولا يصلح لطمأنة من يسرقون من المستثمرين في الصناعات الشرعية للسجائر. وبالضرورة، مثل هذه الحجة قد لا تكون مقنعة لكل الأصوات التي تقر اليوم وتعترف وتحذر من أن تهريب السجائر يتواصل ويتمدد وعلى قيد الحياة بالرغم من تفكيك شبكة مطيع.