اتجاهات في الأردن تتنبأ بسيناريو «رحيل مبكر» للحكومة وطموحات في وراثة مقعد الرزاز
الإيحاء واضح ضمنياً عبر تلك الإشارة السياسية التي حاولت لفت النظر إلى أن الإشكال الذي حصل قبل نحو أسبوعين أثناء زيارة رئيس الديوان الملكي الأردني، الوزير يوسف العيسوي، إلى محافظة الطفيلة ناتج أصلاً عن الحكومة وليس عن أي طرف آخر.
العيسوي نفسه تحت انطباع بأن تجمهُر بعض المواطنين حول موكبه في الطفيلة وصدور بعض الأصوات المعترضة مع ضجيجها مسألة لها علاقة بحضور وزير البلديات، وليد المصري، معه خلال الزيارة وليس بشخصه أو بالموقع الذي يمثله.
التصويت على الميزانية «إنذار مبكر»… وخيارات الإصلاح السياسي ليست أولوية
في حال التعمق بمثل هذا الانطباع سياسياً، تبرز الحاجة إلى تلمس تقييمات مؤسسة مهمة مثل الديوان الملكي لأداء الحكومة وطاقمها، خصوصاً وأن صالونات عمان السياسية المفعمة بطبيعة الحال دوماً بالتسريبات والتكهنات، وبعض الأحيان بالشائعات، تتفاعل فيها العديد من الاجتهادات، وبدأت تتحدث عن تأخير منهجي في استحقاق التعديل الوزاري لصالح احتمالات قد تصل إلى تقصير عمر الحكومة الحالية المثيرة جداً للجدل برئاسة الدكتور عمر الرزاز.
الرزاز نفسه بدأ يتحرك في اتجاه ملغز، من جهته، يشير إلى أن طموحه يتكثف بأن لا يغادر الساحة بدون» بصمة «يمكن أن تسجل للتجربة. ورث الرزاز من حكومة هاني الملقي تركة في غاية التعقيد وحملاً ثقيلاً، وأمام «القدس العربي» وبحضورها، استعرض بعض الصعوبات التي أشار إلى أنه من الصعب أصلاً تخيلها، وعلى رأسها تلك الممارسات والعادات والتقاليد الإدارية التي تحكم العمل في المؤسسات البيروقراطية لصالح الاستعصاء.
حصول الميزانية المالية التي تقدمت بها حكومة الرزاز على 60 صوتاً فقط في البرلمان من أصل 130، كان بمثابة إنذار مبكر حتى في مقاربات رئيس اللجنة النيابية المالية النائب خالد البكار. تلك ميزانية مرت بصعوبة، حسب هذه الأرقام، وتبقي الحكومة على الحافة وتضعف خطها الاقتصادي. على الأقل هذا ما قاله علناً وهو يسأل عن شبهة مخالفة الدستور رئيس الديوان الملكي الأسبق والخبير الاقتصادي المهم الدكتور جواد العناني.
وهو لا يخفي أحقيته في أن يحظى بفرصة حرم منها في قيادة حكومة، باعتباره من أبرز أبناء القطاع العام، والرئيس الأسبق الدكتور عبد الله النسور في الصف نفسه وهو يعكس الانطباع بوجود طموح «طبيعي» لديه بالعودة، وهو أيضاً طموح لا ينكره المقربون جداً من الرئيس فيصل الفايز.
وثمة ما يوحي في كثرة حركة العناني، تحديداً في الأسبوعين الأخيرين، بأن الرجل يتعامل مع اتجاهات مبكرة لبعض النخب تعتقد بأن ورقة حكومة الرزاز شارفت على السقوط زمنياً وسياسياً، وبأن الفرصة قد تكون متاحة لوضع المكياج اللازم لأغراض رئاسة محتملة في وقت ضيق وتأزيمي. يطمح هنا كثيرون ومتعددون في وراثة المعقد الرئاسي عن الرزاز، بعدما باتت مغادرة الحكومة بسقف لا يتجاوز الصيف المقبل، وفي أحسن الأحوال مسألة وقت.
وبعدما بات – وهذا الأهم – بقاء الحكومة بوضعها الحالي أصلاً مثاراً للشك، خصوصاً بعد تراكم الملاحظات النقدية في بعض المؤسسات السيادية، وبعدما بدأ الشارع يهتف بإسقاط النهج ورموزه، وكذلك بعدما بدأ موظفون كبار مقربون من الحلقة الملكية بتوزيع بعض الملاحظات النقدية للحكومة تحت عنوان شعبوية الخطاب. ولا يظهر الرئيس الرزاز أي ميل من أي صنف للاهتمام بظهور طموحات مبكرة لوراثة مقعده.
وما يركز عليه الرجل اليوم هو التسلل داخل النظام الذي هضمه أصلاً بصعوبة لتحقيق أكبر إنجازات ممكنة تسجل لصالح التجربة، عبر الرهان على العبث ببعض معطيات السياسات والملفات تحت وطأة ضغط الوقت.
لا يريد الرزاز، وهو يشعر بالحركة الأفقية للطامحين في موقعه، أن يحفل بهؤلاء، وإذا كانت مغادرة حكومته واجبة لأي سبب فهو يخطط للمغادرة وفي حضنه بعض امتيازات شرف المحاولة على الأقل والتشخيص الدقيق للوضع المتردي.
هنا أوقف الرزاز زحف قانون الجرائم الإلكترونية وفرض إيقاع «العفو العام» ورخصت في عهد حكومته تجربة مثيرة باسم حزب التحالف المدني، وهو الحزب الذي يعبر عن أول مؤسسة منظمة باسم التيارات الليبرالية المدنية، خصوصاً وأن مسألة الترخيص أنجزت في الوقت الذي اعتبر فيه أحد أبرز رموز التجربة، وهو وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، مغرداً خارج السرب.
تلك معطيات، في كل حال، تشبه الرزاز، لكن في الميدان الرئيسي حيث أزمة عجز الميزانية وحيث الإشارات الملكية المتعلقة بعدم وجود أولويات باسم الإصلاح السياسي، يمكن القول إن الإخفاق يتراكم هنا ويوحي ضمنياً للرزاز بالتقاط إشارات تمهد لانسحاب مبكر محتمل من الواجهة، خصوصاً وأن السقف الزمني للحكومة بكل الأحوال قد لا يتجاوز عمر الدولة العادية لمجلس النواب والبرلمان. بمعنى آخر، يدرك طاقم الرزاز بأن الحكومة ستغادر مبكراً في أي لحظة يقفز فيه سيناريو لانتخابات مبكرة.