الأردن: لعنة «التبغ والسجائر» تطارد من أخفق في إدارتها و«المزيد من الجنرالات» خارج الخدمة
: طبيعي.. مألوف.. منطقي ومكرر أن ينتهي أي قرار بإحالة رأس الهرم العسكري الأردني بمجموعة إحالات على التقاعد على مستوى الصف الثاني من الجنرالات حتى يتمكن رئيس الأركان الجديد من العمل مع طاقم مساعدين له يناسب مرحلته وواجبه.
حصل ذلك على الأرجح بعد ساعات من تعيين قائد سلاح الجو الأردني، أمس الأول، اللواء يوسف حنيطي رئيساً للأركان خلفاً للفريق محمود فريحات، الذي جلس لثلاثة أيام في منزله مستقبلاً زواره المهنئين بالتقاعد، وكان عددهم أقل بكثير وبما لا يقارن قياساً بمن احتفلوا به عندما اختارته القيادة قبل أكثر من عامين للواجب.
الملك عبد الله الثاني، وفي رسالة موازية للتأكيد على جرعة معنوية تدفع الهيكل الجديد في رئاسة مؤسسات القوات المسلحة بقيادة الجنرال الحنيطي، كان نشاطه الأول زيارة الأخير ورفاقه الجديد من المساعدين، وتمني التوفيق لهم مع تزويدهم بالمطلوب من التوجيهات.
يطمئن الشارع الأردني عموماً عندما تتفاعل المؤسستان، العسكرية والملكية، أكثر من بقية المؤسسات.
لكن الجزء المهووس في منصات التواصل الاجتماعي بالأخبار والتسريبات، وغالباً في الشائعات، استرسل بعد تنحي رئيس الأركان الأسبق الفريق محمود فريحات بإصدار قوائم لإحالات جديدة على التقاعد لجنرالات في المؤسسات الأمنية.
غصت المنصات بتسريبات تتحدث عن تغييرات في قيادة قوات الدرك والأمن العام، وحتى في الديوان الملكي، بل تحول معلقون كثر إلى «مصدر إخباري» يرشح الأسماء، فظهر على المستوى السياسي من هنا مجدداً اسم المخضرم ناصر جودة، وغيره.
لكن من زاوية «المألوف» في إحالات على التقاعد لكبار الضباط، بعد تعيين رئيس أركان جديد، يمكن التوقف من باب التحليل السياسي عند صدور إرادة ملكية قبل زيارة الملك الأخيرة للأركان بإحالة رئيس محكمة أمن الدولة العميد محمد العفيف إلى التقاعد.
قبل ذلك بأسابيع، نسب الفريحات قبل مغادرته لموقعه بإحالة أحد كبار ضباط إدارة أمن الدولة والمحكمة العسكرية، وهو المدعي العام العسكري فواز العتوم، إلى التقاعد.
وعدة أسابيع للوراء، كان قد أحيل على التقاعد أيضاً ضباط في الجهاز الأمني أداروا التحقيقات المغلقة في ملف «التبغ والسجائر».
اليوم، وعندما يتعلق الأمر بتحقيقات التبغ والسجائر، ثمة مستجدات لا يمكن تجاهلها، أهمها أن العدالة مستمرة في التحقيق والتعمق فيه، لكن الطاقم الذي أدار الوجبة الأولى من التحقيقات أصبح خارج الوظيفة، وعلى«دفعات» الآن وبصورة توحي بأن الملف أصبح بين يدي طاقم جديد سيتم اختياره بعناية.
عندما يحصل ذلك بالتتابع، وضمن رؤية ملكية أشمل وأوسع، يمكن القول إن مثل هذه التبديلات والتحولات «لا تحصل صدفة»، خصوصاً مع تلمس ارتباك نتج عن«أخطاء» تحتاج إلى التأمل في إدارة أو «تضخيم» ملف السجائر والتبغ، الذي تسبب بأذى بالغ لسمعة البلاد في الداخل والخارج.
لوحظ بأن آخر قرارات محكمة أمن الدولة، قبل تغيير طاقمها الأساسي، كان الإفراج عن اثنين من المتهمين الذين يخضعون للمحاكمة في قضية التبغ والسجائر؛ لأسباب صحية وإنسانية، مع بقاء الحجز التحفظي ومنع السفر عليهم.
أسابيع للوراء، غادر السجن أيضاً وزير سابق من متهمي القضية للسبب نفسه.
بقي من المتهمين البارزين في هذه القضية الضخمة والغامضة داخل السجن وفي وضع «صحي صعب ومعقد» مدير عام الجمارك الأسبق، اللواء وضاح الحمود، وأقاربه تحادثوا بحضور «القدس العربي» مع النائب صالح العرموطي، واعتصموا أمام مجلس النواب، مطالبين بالإفراج عنه بكفالة، أسوة بالآخرين مع الاستمرار بالمحاكمة وإظهار الثقة بـ «القضاء العادل».
ثمة من يتصور هنا بأن اللواء الحمود قد يفرج عنه أيضاً بعد دخوله المستشفى ثلاث مرات، ووفاة اثنين على الأقل خلال سير المحاكمة والتحقيق بجلطات قلبية.
والأهم، ثمة من يضغط في هذا الاتجاه، في الوقت الذي أصبحت فيه مسألة «التبغ والسجائر» أقرب إلى «لعنة» من الوزن الثقيل تنتج الاضطراب وتؤثر في كثير من المسارات بعدما أصبحت إدارتها، حتى على المستوى السياسي والبيروقراطي، عنواناً للارتجال والتسرع.
يسأل مرجع دستوري وقانوني وسياسي رفيع المستوى أمام «القدس العربي» عن الفارق بين «تحقيق شفاف ومحاكمة عادلة» منطقية تخدم صورة البلاد في الداخل والخارج وتتعامل مع «قضية تهرب جمركي» بحجمها الطبيعي.. وبين مواجهة «تصفية حسابات» تخيف بعض مراكز القوى وترتجل في تضخيم قضية بصورة تؤذي الدولة الأردنية وتسمح بمطالبتها لاحقاً بتعويضات عملاقة -لا سمح الله- عبر التطوع لإدانة «الذات الإدارية»… أين الحكمة هنا؟
تلك طبعاً تبقى وجهة نظر لا تلزم عدالة التحقيق القضائي ولا مستوى التقاضي الاحترافي، وتتعلق بجزء سياسي في إدارة «لعنة التبغ» تعزله المحكمة عن السياقات، وإن كانت حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز عملياً، وبالنسبة للأجنحة التي تنتقد إدارة التعاطي مع الملف قبل مرحلة المحكمة المتهم الأول والأبرز بالمبالغة والتضخيم، لأنها كانت أول من تحدث عن «رؤوس كبيرة حان قطافها»، ولأن رئيسها أول من تحدث بروح «استشهادية ضد الفساد».
الأكثر أهمية من كل هذه القراءات المتعاكسة هو ملاحظة أن الملك عبد الله الثاني، عندما زار قيادة الأركان الجديدة، عبر عن اعتزازه وثقته بكل عناصر وقيادات «أجهزتنا الأمنية».
بدا لافتاً جداً للنظر أن يتحدث اللسان الملكي عن الأجهزة الأمنية وتقديره لها داخل معسكر قيادة الأركان… تلك طبعاً قصة أخرى تماماً تحتاج إلى المزيد من الوقت والتأمل قبل الوصول لأي انطباع أو استنتاج له علاقة بحزمة «إصلاحات هيكلية» ضخمة تقررت ملكياً ومرجعياً.