الأردن: أسبوع رمضاني ساخن وجذري في انتظار «وزارة الرزاز» والجميع يترقبون «الخطوة التالية» للملك
يسحب رئيس وزراء الأردن الدكتور عمر الرزاز سيارة على الأقل من سيارتين لكل وزير في طاقمه. ثم يعمم بعدم استعمال ثلاث سيارات لأغراض شخصية لأي مسؤول في الجهاز الحكومي. لاحقاً- والأهم – يوجه رئيس الوزراء الأمن العام بضبط أي سيارة حكومية تخالف هذه التعليمات وتزويده بالتفاصيل.
لا يقف الأمر عند هذه الحدود، فقبل أيام زار رئيس الحكومة هيئة مكافحة الفساد وتفقد عملها. خلال وقت قصير، فوجئ الرأي العام بالهيئة تطلب الإذن لملاحقة وزيرين سابقين أحدهما من وزن «الحيتان».
باختصار، أمر رئيس الحكومة بإكمال تحقيقات كانت معلقة لأنها تشمل شخصية وزارية أو مهمة، حيث كانت الهيئة – وبسبب صعوبات إحضار وزير سابق للتحقيق بصفة قانونية – تحجم عن إرسال ملفاتها إلى النيابة والقضاء.
يناور ويحاور ويتسلل ويسحب سيارات الوزراء
تلك أيضاً إضافة نوعية يقول فيها الرزاز ضمنياً وسياسياً أنه «ثمة شريف جديد في المدينة» ينبغي أن تصدر عنه التوجيهات ويتم التعامل معها بجدية في جرعة دعم كبيرة جداً من رئيس الحكومة لهيئة مكافحة الفساد التي تقوم بجهد عملاق ميدانياً، لكن ينقصها أحياناً الدعم والغطاء السياسيين.
بالتوازي، ثمة ما يوحي بأن رئيس الحكومة بدأ يتحرك – كما يريد وكما أمر – في الأفق المحلي، خصوصاً أنه شكل – وهذا يحصل لأول مرة – لجنة خاصة للتدقيق في مخالفات ديوان المحاسبة المعني بالشفافية المالية وإحالة ما يستحق منها إلى القضاء أو استعادة المال المهدور في بعض الملفات والحالات.
تلك مجرد خطوات بيروقراطية لا تثير الكثير من اللغط. لكن خطورتها السياسية تكمن في أنها بداخل السياق البيروقراطي وتنسجم مع المقولة القديمة والشهيرة للرزاز وهو يدخل عامه الثاني بعنوان «صعوبة إصلاح وصيانة طائرة متهالكة أثناء التحليق».
هنا، في الإطار البيروقراطي، يعمل الرزاز بهدوء وبدون إثارة حساسية مراكز قوى نافذة في الدولة وخارجها، مستثمراً في لحظة التصويب التي أطلقها الملك عبد الله الثاني شخصياً عندما أعاد إنتاج تركيبة المؤسسة الأمنية قبل عشرة أيام.
يعلم الجميع أن الرزاز وخلال أيام قليلة فقط سيدخل رسمياً في عامه الثاني ويخطط لإطلاق تعديله الوزاري المنتظر والكبير في منتصف شهر رمضان المبارك، في الوقت الذي لوح فيه حراكيون مجدداً بسهرات رمضانية يفترض أن تبدأ مع مساء الخميس وبعدما عبرت الأيام الثلاثة الأولى من رمضان بدون حراك شارعي وبدون ضجيج.
«القدس العربي» كانت قد سمعت مباشرة الرزاز وهو يتحدث عن صعوبة المهمة عندما يتعلق الأمر بصيانة الطائرة أثناء التحليق وعند الدخول أيضاً في عش الدبابير البيروقراطي، حيث يفكك الرزاز هنا بتعقل وتوازن وبدون شعارات أو هتافات شبكة عنكبوتية لها علاقة بالشللية التي تضرب في أجهزة حكومية حساسة، من بينها تلك المعنية بخدمات العاصمة البلدية والضريبة والجمارك.
يبدو الرزاز هامساً وهو يتحدث عن طموحه العقلاني في تحسين نوعية الخدمات وزيادة معدلات الشفافية، ومناوراته مع صندوق النقد الدولي حدت من سرعة التراجع الاقتصادي ورفعت بنسبة ضئيلة نسبة النمو الاقتصادي دون أي تماس مع مصالح الناس، في الوقت الذي كشفت فيه أزمة أول يومين من شهر رمضان المبارك الانخفاض الحاد في قدرة المواطنين الشرائية والارتفاع الحاد في الأسعار. والأسعار من الملفات التي يصعب على الرزاز أو غيره التأثير عليها.
لكنه يعمل وبنشاط وبذهنية تعود إلى «نظريات علمية» سبق أن كتب عنها على رفع نسبة «نمو العدالة» الإدارية والبيروقراطية على أمل أن يغفر الرأي العام لحكومته ارتفاع الأسعار والتضخم ويمنحها فرصة لإكمال مشوار الإصلاح الإداري ما دام الإصلاح السياسي «معقداً ويحتاج إلى مقاربة مختلفة»، على رأي الرزاز نفسه.
ويتخذ رئيس الحكومة الأردنية خطوات لافتة على صعيد تعزيز مفهوم «النزاهة الإدارية». ويتجنب حتى اللحظة – بكفاءة -الاشتباك مع مراكز القوى، ويقدم للشارع أدلة على جديته بفتح ملفات فساد، ونجح في الإطاحة بكل المتحرشين في حكومته في مؤسسات الظل السيادية.
يتسلل الرزاز بمهارة في الواقع الموضوعي ويواجه الأسبوع الأصعب هذه الأيام بعد تجديد الثقة به ملكياً ودولياً، حيث يتربص له وبه كثيرون، وحيث بدأ «إطلاق حملات التشويه» يحاول حرفه عن مساره ويستهدف حتى عائلته والتشويش على أعماله.
لكنه يظهر صموداً إزاء كل الحملات ويحاور ويناور في كل الاتجاهات، ولعل الملف الأهم الذي قد يظهر قدراته الحقيقية وبالتالي نوايا الإصلاح والتغيير الجدري، هو ذلك المتعلق بملف تأسيس وزارة حقيقية للدفاع.
تلك لحظة ستكون مختلفة في المقاربة الأردنية الوطنية ما دام الجميع في العالم اليوم ينظر للأردن وينتظر ما سيفعله إزاء عدة تحولات درامية، أهمها تداعيات صفقة القرن والموقف العلني للملك عبد الله الثاني منها.