اراء و مقالات

الشيخ عكرمة صبري عشية مغادرة الأردن: لماذا استقبلته العشائر والمخيمات والمحافظات وتجاهلته «وزارة الأوقاف»؟

عمان- «القدس العربي »: لا يمكن معرفة الأسباب التي تحول أو حالت عملياً دون رفع مستوى ومنسوب جرعة استقبال رمز وطني إسلامي فلسطيني من وزن الشيخ عكرمة صبري رسمياً، بدلاً من بقاء حضوره في العاصمة عمان في المدلول الشعبي العارم.
خلال أقل من أسبوع، التقى الشيخ صبري مئات المواطنين الأردنيين، وأقيمت لاستقباله مهرجانات شبه شعبية باسم قبائل ومدن ومحافظات وعشائر.
لكن بدا لافتاً للجميع أن أحداً في الهرم الحكومي أو حتى في مؤسسات الدولة الدينية لم يعقد بصورة علنية على الأقل ولو اجتماعاً واحداً أمام الجمهور مع الرجل الذي يدير أغلب مظاهر الرباط باسم المسلمين وغيرهم في مدينة القدس المحتلة.

استقبال عشائري للشيخ

مسألة فيها أسرار وألغاز مثيرة قابلة للتفكيك، خصوصاً أن الشيخ صبري وبصرف النظر عن الخلاف معه أو الاتفاق، موجود بقوة في الميدان، ليس فقط دفاعاً عن الوصاية الهاشمية الأردنية كما يعلن هو لمستضيفيه الأردنيين، لكنه موجود كعلامة مسجلة في مجال التصدي لانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في القدس والمسجد الأقصى. وأقيمت باسم القبائل والشخصيات الوطنية الأردنية مآدب لافتة للنظر، وفعاليات تحاول الاستماع للعجوز القادم من القدس.
واستقبل الشيخ عكرمة في مضارب محافظة مأدبا وقبيلة بني صخر وفي محافظة الزرقاء وفي محافظة البلقاء باسم عشيرة العربيات، وجمع له القطب البرلماني الأردني خليل عطية نخبة لجان المخيمات وبعض أعضاء البرلمان، وأقيمت له فعالية في مخيم الوحدات.
سمعت «القدس العربي» مباشرة بالعشرات آراء تطالب الشيخ عكرمة صبري بالصلاة في مساجد متنوعة تكريماً للقدس والمسجد الأقصى، وليس لشخصه فقط.. كل ذلك حصل دون انعقاد ولو اجتماع رسمي واحد علناً على الأقل مع رجل الميدان المشتبك مع الإسرائيليين في عمق الدفاع عن الوصاية الأردنية، كما شرح لـ»القدس العربي» الأمين العام لمنتدى الوسطية المهندس مروان الفاعوري.
الإيحاء واضح سياسياً هنا بأن السلطات الحكومة الأردنية المختصة بملف الأوقاف لا تربطها بشخصية مقدسية باسم الشيخ صبري علاقة أو صداقة قوية الآن، مع أن لجنة فلسطين في البرلمان استقطبت الرجل واستمعت إليه، فيما استمع إليه بصفة شخصية وبلقاء مجاملة المخضرم الأمير الحسن بن طلال.
دون ذلك، لا لقاءات رسمية حتى مساء الأحد، ولا مشاورات وقفية ولا حتى اجتماعات «فنية» لها علاقة بمؤسستين أردنيتين كبيرتين، هما المجلس الأعلى للأوقاف، ومجلس آخر ترعاه عمان ويدير شؤون القدس، ويعمل صبري بالتنسيق معهما.
سلوك وزارة الأوقاف الأردنية، وليس سلوك الشيخ صبري، يوحي بمشكلة ما. لكن أي اصطياد في المياه العكرة هنا ينبغي أن يحسب للسلطات الأردنية ترحيبها بالضيف المقدسي، وفتح المجال أمامه لقاء من شاء من الأردنيين دون تحفظ، مع أن الاستقبالات المناطقية والعشائرية والقبائلية تعني الكثير بالمقابل والتوازي في إظهار أحد أكثر الخطوط الحمراء قداسة عند الأردنيين عموماً، حيث القدس والمسجد الأقصى، وهو ما أشار إليه النائب الإسلامي الأردني الشاب ينال فريحات، عندما حاول التذكير أمام «القدس العربي» والشيخ صبري بهبة جميع القبائل الأردنية إلى الحدود مع فلسطين المحتلة عندما استهدف المسجد الأقصى واندلعت معركة الشرف باسم سيف القدس.

حرارة لقاء الشارع

حرارة لقاء الشارع الأردني بصبري تقول الكثير من الرسائل. لكن تجنب الحكومة وطاقم أوقافها للضيف وفعاليات استقباله دون الحد الأدنى من أي لقاء بروتوكولي، يوحي بمزيد من الألغاز التي تفتح أعين المراقبين على أسئلة صعبة، وقد تكون محرجة؛ لأن صبري لم يترك فعالية في الأردن دون تقدير وشكر خاص للوصي الهاشمي ودوره في حماية أمانة القدس.
لم تتردد «القدس العربي» وسألت الشيخ صبري مباشرة عن ضرورة تفحص انطباع بوجود عتب بيروقراطي وحكومي أردني قد يوحي بخلافات ما؟
جواب الضيف الشيخ كان دبلوماسياً بامتياز وهو يشير إلى أن العتب بالعادة بين الأخوة وأفراد العائلة الواحدة، مستعيذاً بالله من وجود خلافات مع الشقيق الأردني، صاحب الموقف الثابت والمشكور.
لكن في بطن الجواب إشارات ملغزة بأن ما لدى الشيخ صبري حتى ولو بحكم مواقعه في العمل مع المجالس الأردنية والعلمية، هو مجرد ملاحظات وليس اختلافات بين الحين والآخر على تفاصيل إجرائية، وليس على مضامين، مع الإشارة إلى أنه يستغرب التعامل «مع تقارير قد لا تكون دقيقة باعتبارها مسلماً بها»، بمعنى عدم التحاور حول أي ملاحظات ووجود مبالغات في التزويد المعلوماتي الذي يصل للعاصمة.
دون ذلك، لا يريد صبري الخوض في تفاصيل، ويشير إلى أن عقله وقلبه مفتوحان، مثل كل أهل القدس، لكل من يناصر حقوق الأمة في أوقاف القدس ومقدساتها، ولأن الرهان دوماً على صمود شباب القدس ودورهم في التصدي للاحتلال ومناجزته دفاعاً عن كرامة الأمة وليس عن الشعب الفلسطيني فقط.
في كل حال، رسالة زيارة الشيخ عكرمة الأخيرة إلى عمان بمعناها الشعبي النضالي الوطني قالها الأردنيون وهم يفتحون مضاربهم بالتكريم والحفاوة والتضامن، ورسالة الحكومة في الامتناع عن استقبال ضيف بهذا الحجم والاسترسال في استقبال من هم أقل منه شأناً، قالتها الحكومة بدورها سياسياً. بين هذه وتلك، واضح أن ثمة عتاباً مراً في الاتجاهين. وبين هذه وتلك، طرحت زيارة صبري لعمان ومحافظات الأردن أسئلة سياسية على الحكومة أكثر منها تقديم إجابات عليها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى