الأردن: «اضطراب» في الدولة والمعارضة: عزف على أسطوانة «الملكية الدستورية» والشبيلات يقترح «توحيد الحراك»
المواجهة التي رصدها الأردنيون بلا مبرر خلال اليومين الماضيين تعكس حجم الاضطراب في الدولة والمعارضة وهي تعيد إحياء نقاش قديم ملغوم بالاتهامات بين يساري ومعارض سابقاً أصبح وزيراً لاحقاً هو بسام الحدادين، وبين معارض دائم سابقاً ولاحقاً كلمته ثابتة طوال الوقت من وزن المهندس ليث شبيلات.
لسبب أو لآخر، قرر شبيلات فجأة تفكيك عزلته السياسية المعلنة وتوجيه رسالة وطنية للحراك الشعبي بهدف «توحيد الجهود». ولسبب أو لآخر في المقابل، قرر حدادين بدوره التكفل نيابة عن جهات متعددة بنشر مقال انتقادي وجارح بحق شبيلات وبعنوان «المعارض الأول كما عرفته».
ونشر مقاله الناقد في صحيفة «عمون» الإلكترونية، ثم انتقد شبيلات الصحيفة بقسوة لأنها امتنعت عن نشر رده على المقال، وقبل ذلك رسالته للحراكيين. ورصدت «القدس العربي» مقاطع من حوار ساخن بين الشبيلات والمسؤول المباشر للتحرير في صحيفة «عمون».
إخفاق «الاحتواء الأمني».. والروابدة مع المجالي وعبيدات والفايز في المشهد
رسالة الشبيلات للحراك لم تعرف مراميها بعد بصورة جلية، لكنها تقترح جملة منضبطة لتوحيد الحراك بدلاً من الاسترسال في الهتاف الشتام. ومن الطبيعي توقع أن دخول شبيلات على خطوط اقتراحات توحيد الحراك الشعبي ومأسسته بدلاً من لهجته المناطقية المنفلتة لا تعجب كثيرين، خصوصاً من نخب السلطة والصالونات السياسية، رغم أن أهم ما في مضمون رسالة الشبيلات للحراك هو اقتراحه القاضي بنبذ الخشونة والشتائم في الهتاف والتوحد باسم جميع المناطق والعشائر والمكونات في المجتمع تحت هتاف من كلمة واحدة فقط تتعلق بالإصلاح. والعودة إلى إطار الملكية الدستورية.
قفز الشبيلات بهذا المعنى لواجهة النقاش الحراكي في البلاد بعد سلسلة تصعيدية من المقابلات ليس صدفة أن قناة الميادين اللبنانية المقربة من إيران وحزب الله هي التي تحتضنها بين الحين والآخر، فيما حضر الشبيلات أصلاً- وباعتباره من الرموز الوطنية الكبيرة والمتمرسة – اجتماعات عدة بهدف التنسيق وضع فيها شروطاً لكي يشارك في قيادة الحراك أو ببناء جبهة وطنية تحت عنوان إنقاذ البلاد وانتقد خلالها جميع الأطراف، بما فيها النخب السياسية، وطبقة رجال الدولة، والحركة الإسلامية، وحتى الحراكات نفسها.
في كل حال، ثمة ما يوحي بتطورات حادة في المشهد الداخلي الأردني بالتوازي مع انطلاق ثم انفلات حملة «معناش» الحراكية، التي بدأت بشعار ضد قانون الضريبة وانتهت لاحقاً بهتافات منفلتة وفي بعض الأحيان بشتائم تعزز ما يسميه بعض الساسة بغرور الحراكات والتي تتخذ شكلاً مناطقياً، برأي ناشط من وزن ثقيل هو الشيخ سالم الفلاحات.
وثمة ما يوحي بأن الأزمة متعددة الأوجه في الأردن عادت برمز مثل شبيلات إلى الواجهة ووضعته في محور مشروع طموح لكنه متعثر بعنوان توحيد الجهد الحراكي وصياغة رؤية وجبهة وطنية، وهو جهد شارك في بعض حواراته الجانبية أشخاص بارزون من بينهم رؤساء وزارات سابقون مثل أحمد عبيدات، وطاهر المصري، تحت عنوان إنقاذ الدولة والنظام ومغادرة منطقة الأزمة المعقدة. حصل كل ذلك فيما تشهد الخارطة النخبوية حراكاً موازياً أكثر رشداً، وفيما بدأ كبار الساسة يبحثون عن إجابات عن أسئلة معلقة أو عن مبادرات، بدلالة مشاركة المخضرم عبد الرؤوف الروابدة مع سياسيين آخرين وجنرالات سابقين في نقاشات لها علاقة بالأزمة الوطنية انطلاقاً من منبر جمعية الشؤون الدولية.
اجتماعات الجمعية المشار إليها شهدت مؤخراً مداخلة منقولة سجلت باسم عميد رؤساء الوزراء السابقين الدكتور عبد السلام المجالي، تحدث فيها عن مجموعات نشطة في الحراك الشبابي تعمل لصالح جهات خارجية وسفارات أجنبية بما فيها السفارة الأمريكية.
كل هذا الصخب في الحوارات النخبوية رافقت التطور الحاد جداً في مسيرة هتافات حراك الدوار الرابع المتجدد، حيث أصبحت الهتافات توجه مباشرة لرموز كبيرة في إدارة الدولة، وحيث تخفق مبادرات الاحتواء الأمني، وحيث يغيب – وهذا الأهم – مفهوم الأمن السياسي فجأة وتتسرب المزيد من الوثائق الرسمية فجأة أيضاً وتطال تعبيرات الحراك ولأول مرة تقريباً مؤسسات وطنية كبيرة لم يكن يشملها بالعادة الخطاب الحراكي وأصبحت تجد نفسها مضطرة لتقديم إفصاحات وإبلاغات رداً على شائعات وتسريبات في المنصات الحراكية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر ببيع عقارات كبيرة لمؤسسات سيادية. وفي التتابع الدرامي لمسار الأحداث تختلق الأطر الحراكية قصة مغادرة رئيس الديوان الملكي، يوسف العيسوي، من مدينة الطفيلة في حالة لم تحصل عملياً، كما يصدر بيان مناطقي باسم ضاحية في العاصمة عمان يعلن رفضه استقبال إحدى العشائر رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز بصفته الوظيفية والترحيب به بصفته الشخصية والعشائرية فقط.
ولحق كل ذلك بما سمي اجتماع أحرار قبيلة بني حسن شرق البلاد، حيث بيان شديد اللهجة تحت عنوان استعادة الأردنيين لدولتهم المخطوفة، ويظهر في الشارع وأمام الكاميرات وزراء وحكام إداريون سابقون وضباط متقاعدون يعلنون الانضمام للحراك لحماية العرش والملكية ضد ما تفعله «العصابة» التي خطفت الدولة ونهبت مقدراتها، كما قال محافظ سابق ظهر بقوة تلفزيونياً خلال الأيام الماضية.