اراء و مقالات

ما الذي يعني يوم 24 آذار؟… الأردن مزدحم بالبيانات تحت ضغط الفيروس: حراك ومعارضة ووقفات مع الملك ودعوات لـ«توحيد الصف»

طبيعي جداً، سياسياً وإعلامياً، أن تقفز تلك المقاربة بين دعوات الحراك والتجمع شعبياً في 24 من الشهر الجاري، وبين تلويح السلطات الحكومية بالحظر الشامل مجدداً اعتباراً من يوم الاثنين المقبل، كما تلمح الكثير من التعليقات والتسريبات وحتى نهاية الشهر الجاري.
ومن المرجح أن تواقيت الحكومة وقوى الحراك الشعبي متزامنة على مدار الأسبوع المقبل، حيث أجندات وقتية تزدحم، وسعي هوسي من قوى الحراك للاستثمار في الأزمة الصحية والضغط على الدولة إلى أقصى قدر ممكن، تقابله العودة إلى مربعات المسار الأمني وأحياناً الخشونة الأمنية، مقابل الحد من وجود الاحتجاجات في الشارع.
ولم تعلن الحكومة بعد حظراً شاملاً قبل نهاية الشهر الجاري، لكن الاحتمالات يبدو أنها وشيكة في هذا الاتجاه، وقد تتطور مسارات الفيروس الذي وصل إلى منحنيات وبائية غير مسبوقة في اتجاه اتخاذ قرار بحظر شامل لـ 9 أيام على الأقل، كما لمح عدد من المسؤولين والوزراء لبعض أعضاء مجلس النواب على خلفية التحذيرات المتراكمة من العودة إلى سياسات الإغلاق والحظر الشامل. وكانت دعوات حراكية بالجملة قد تصدرت على مدار الأيام العشرة الماضية في اتجاه التصعيد الحراكي والدعوة إلى وضع يوم 24 آذار كسقف زمني محتمل لنزول الأردنيين بكثافة وفي جميع المحافظات إلى الميادين وإلى الشارع، للمطالبة بالتصدي لقوى الفساد وإسقاط الحكومة والنهج والمطالبة بالإصلاح الشامل.
وتبرز هذه المطالبات في توقيت صحي وفيروسي سيئ جداً وحساس للغاية. لكن وعبر لغة الإشارة والترميز والتلغيز السياسي، يمكن القول بأن موقف المؤسسة الأمنية من دعوات استئناف آذار من طريقة منظمة بات واضحاً للعيان، فقد اتخذت قرارات بمنع مخالفة أوامر الدفاع، بمعنى منع الاحتشاد حتى ولو كان لأسباب سياسية أو المطالبة بالإصلاح، أو في سياق التعبير عن الرأي وحريات التعبير، مما يعني بأن السلطات الأمنية في الدولة الأردنية ترسل مبكراً إشارات خاصة لقوى الحراك تلفت النظر عبرها إلى أن السماح بعودة الحراك الشعبي في شهر آذار أو غيره بات من الخطوط الحمراء.
ويبدو أن دعاة الحراك والتحرك في الشارع الأردني يحاولون التوظيف وبصورة أجنداتية، فقد تم اختيار 24 من آذار كصورة مقصودة، حيث إنه اليوم الذي أدى لتقديم تنازلات دستورية وإصلاحية كبيرة في مختلف المحافظات الأردنية، ويعتبر من الأيام التي يقدرها الحراكيون ويعتبرونها أساساً في كل عام للابتهاج والمطالبة عبر النزول الجماعي إلى الشارع بما يسمونه الإصلاح السياسي. لكن تلك المقاربة في التوقيت تزداد حساسيتها، لأن الوضع الاقتصادي والاجتماعي عشية شهر رمضان حساس للغاية، ولأن الضغط المعيشي عملياً يدفع جميع الأطراف للتازم والتأثر، سواء في دوائر القرار أو حتى في بين المواطنين، حيث الاستهلاك يتطلب نفقات كبيرة عشية شهر رمضان قبل منتصف شهر إبريل المـقبل.
توقيت دعوات الحراك ليس بريئاً في كل الأحوال، ويستهدف ممارسة أقصى طاقات الضغط على السلطات والحكومة. لكن هذا التوقيت لا يحظى بالإجماع الشعبي ولا بالتوافق الوطني، والإصرار على عودة الناس إلى الشارع الآن قد ينطوي على استفزاز كبير للسلطات في ظل الوباء وفي ظل حالة التفشي التي تضغط على الحبل العصبي لجميع الأردنيين، سواء أكانوا في السلطة أو بين المواطنين. وبالتالي، يبدو أنها تلوح في الأفق مواجهة جديدة بين قوى الشارع التي تحاول الاستثمار في الوباء فيروسي والتداعيات وبين قوى السلطة التي تريد ان تثبت بأن التواقيت غير مناسبة حتى في ظل أوامر الدفاع وقانون الدفاع للتعبير عن الرأي في مسيرات سلمية، لأن الوباء ينتشر على أكتاف المحتجين، كما صرح وزير الداخلية والصحة بالوكالة مازن الفراية.
ومن الواضح والمرجح هنا أن الفرصة على أكتاف الفيروس مهيأة لتبادل التصعيد والشعارات والبيانات الرنانة التي تعود إلى المربع الأول في تبرير أدبيات الحراك الشعبي، ورفع سقف المطالبة بالتزامن مع المعركة التي تخوضها المملكة ليس مع الفيروس كورونا فقط وأزمة اللقاح، لكن أيضاً مع اليمين الإسرائيلي الذي بدأ يضايق الأردن ويضغط عليه بعد تداعيات منع طائرة بنيامين نتنياهو من استعمال المجال الجوي الأردن في الرحلة الشهيرة.
ومنع تلك الطائرة دخل في أدبيات التحذير الداخلية من استعمال سيئ لسلطة الحق في التعبير، وحصل ذلك عبر مقالات نشرت لكتاب كبار من بينهم أحمد سلامة، أو بيانات لبرلمانيين كبار مثل خليل عطية، أو في حتى في مبادرات لتوحيد الصف وتأجيل أي خلافات أو تجاذبات الآن وتحشيد الأردنيين خلف الملك والدولة في الظرف الحساس، وهي عبارات وردت في بيان جماعي لعدة مثقفين وسياسيين بتنشيط من الوزير السابق محمد داوودية.
الأردن برفقة الوباء مفعم بنشاط إصدار البيانات وبالجملة الآن، سواء تلك التي تقترح يوم 24 آذار للانطلاق مجدداً في الشارع، أو تلك التي تطالب بالحجر الشامل أو تعارضه بالتزامن، أو غيرها التي تكثر من الحديث عن توحيد الصفوف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى