اراء و مقالاتمقالات وآراء

لماذا لا تقلد عمان أبوظبي مع دمشق؟… «وفد رفيع» بين «همسة سورية» و«مزحة أردنية» ثم «عدم ممانعة»

الجميع يركب الموجة… عقلاء و«هتيفة» وجماعة المؤامرة والسفارة

 

 قد تكون مجرد «مزحة سياسية» أو أكثر. وقد تكون «رسالة» أو عملية «تحفيز» بطريقة السياسي والبيروقراطي الأردني المخضرم عبد الرؤوف الروابده، آخر قطب سياسي تناول على مائدته طعام الغداء العاهل الملك عبد الله الثاني وولي العهد الأمير حسين بن عبد الله. أمام نخبة من السياسيين والدبلوماسيين الأردنيين، وخلال حفل خاص بمناسبة إماراتية أقامه سفير أبوظبي في عمان، يدلي الروابده بتعليقات متزاحمة بعنوان «الأشقاء في سوريا».
في الموقع نفسه، وبين الإماراتيين أيضاً، القائم الطازج للأعمال في السفارة السورية في العاصمة الأردنية، شفيق ديوب، يتلمس طريقه وسط خارطة النخب الأردنية بعد تكليفه باستكمال الاختراق للمجتمع ما دامت الدولة مستعصية عليه، حيث مهمة نجح فيها إلى حد كبير سلفه الدبلوماسي المخضرم أيمن علوش.
علوش كان قد نفذ مهمة «شبه انتحارية»، حيث طلب منه تعويض الفاقد في الساحة الأردنية بعدما قررت عمان «طرد» سفير دمشق المشاغب الجنرال بهجت سليمان ورفضت العاصمة السورية تسمية بديل عن الأخير الذي قرر الإقامة في بيروت ومواصلة عملية «قصف كل ما هو أردني».
عمل علوش على تهدئة الجبهة المحلية طوال ثلاثة أعوام ممثلاً لبلاده قبل أن تنتهي مهامه ويتم تعيين بديل عنه.
البديل الجديد ظهر على طريقة «شريف جديد في المدينة»، وقرر التجول في «أي مكان» في عمان يمكنه التواجد فيه، فزار رؤساء وزارات سابقين وعدة سياسيين ولجان برلمان، مركزاً على الطاقم البيروقراطي والسياسي من أصحاب الخبرة في دمشق ومعادلاتها.
استمع الممثل الدبلوماسي الجديد لزيد الرفاعي والروابده وطاهر المصري، واستقبل أصحاب وظيفة «الصوت المرتفع» بالبرلمان الأردني، الهاتفين للرئيس بشار الأسد باعتباره «زعيم الأمة»، واستثمر بالتوازي بالنقابيين من مجموعة الصراخ باسم «المقاومة والممانعة» ونشطاء جبهة «المؤامرة على سوريا».
في الأثناء، كانت مؤسسة القرار الأردنية تترقب وتنتظر «ما هو جديد» من سفارة دمشق، بالتوازي مع «جمود» القنوات الأمنية إثر التشويش الناتج عن لاعبين أمنيين تقاعدوا لاحقاً، مثل الجنرالين فيصل شوبكي ومشعل زبن، وغيرهما.
وكان سياسي ديناميكي من وزن الرئيس الأسبق سمير الرفاعي يجري اتصالات عبر قنوات خاصة على أمل بناء تصور يسمح باستئناف اتصالات المصلحة بين بلاده وسوريا.
وتفاعلت سلسلة كبيرة من رسائل تبادل اللوم والعتب والاتهام والتشويش طوال الوقت، وبقيت فقط المؤسسة العسكرية الأردنية محترفة وبدون تسييس لإدارة المصالح الحدودية بالقطعة، وعلى أساس واجباتها المألوفة في حماية المملكة وحدودها بعيداً عن مغامرات السياسيين والتجار وحتى الأمنيين المتسرعين، وكذلك عن مجازفات الهتافين باسم الزعامة السورية من الأردنيين.

وسط تقاطعات من هذا النوع، تسحب دمشق علوش وتعين بديلاً عنه. والبديل الجديد «يجرب حظه» فيظهر في استقبالات الأعياد الوطنية لسفارات دول يستطيع الظهور في احتفالاتها، ويزور سياسيين أردنيين بالجملة، وينشط في تحريض المحليين على السؤال التالي الذي يطرحه أردنيون أصلاً بالجملة طوال الوقت: لماذا تستطيع أبوظبي فتح سفارتها في دمشق وإقامة علاقات كاملة وأنتم في عمان خائفون؟
لماذا تسمح واشنطن لأصدقاء مثل الكويت والسعودية والإمارات والبحرين بالتواصل مع النظام السوري ويتحفظ الأردني فقط؟
تساؤلات مشروعة برأي محلل استراتيجي مثل الدكتور عامر سبايله، وكذلك برأي خبير دولي من وزن الدكتور طالب الرفاعي يرى بأن «الضغط الأمريكي» مهما كان «ليس قدراً»، وإن ثمة «مصالح قسرية تفرضها الجغرافيا» ويمكن الاستثمار فيها دون المجازفة مع الأمريكيين أو غيرهم.
ومن هنا قفز، وخلال الحفل الذي أقامته سفارة أبو ظبي، السؤال السوري – الأردني المشترك: لماذا لا نتبادل الزيارات ونتحدث معاً حتى نساعد حكومتينا؟ بدأ الاستفسار فعلاً من مزحة الروابده، والمخضرم طاهر المصري يحاول التفاعل معها. ولاحقاً تشكل الإطار وانطلقت أو تجددت فكرة النائب طارق خوري القديمة المؤجلة عدة مرات بعنوان «وفد سياسي أردني رفيع المستوى يزور دمشق».
اللاعب الخفي في دمشق هتف في أذن سفارتها في عمان: أعيدوا طرح الفكرة بمضمون جديد مع لاعبين محترفين وجديين وبعيداً عن «الهتيفة» الذين لا ترتاح لهم سلطات الأردن، وعليكم بتوسيع الإطار ليبتعد قليلاً عن الوجوه المألوفة في البرلمان والنقابات والأحزاب الأردنية التي ترفع فقط صورة الرئيس بشار الأسد باسم الشعب الأردني.
تطرح الفكرة على الرئيس طاهر المصري مباشرة، فيرحب بها مشترطاً «إنضاجها» وتشارك في الحماسة شخصيات جادة من وزن الدكتور الرفاعي ووزير التجارة الأسبق حمدي الطباع الذي قدر بأن التمهل ضروري لأنه «سبق وحاول» ولم يمكنه الرفاق السوريون من حمل أي «مادة» تساعده في عمان باسم القطاع التجاري.
لاحقاً، تجري مشاورات أردنية داخلية لتقييم «فكرة سورية» المنشأ والأصل، فتوضع المؤسسة الأمنية في الصورة، ويحصل المعنيون من الديوان الملكي على «عدم ممانعة»، ويفضل المصري الاستماع أولاً وأيضاً لرئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، الذي يقود طاقماً «متورماً» في العداء البيروقراطي مع سوريا.
في التفصيل، وجهة نظر المصري أن يتريث الوفد قليلاً، وتجرى المزيد من التقييمات حتى لا تتحول «زيارة وفد برئاسته» إلى مجرد استعراض شعبوي على شاشة التلفزيون السوري ودون «مراجعة» للاتصالات بين البلدين، ما قد يتطلب الانتظار لنهاية العام الحالي أو بداية العام الجديد قبل قياس وتقييم «تنازلات محتملة» من الحكومتين لصالح «استعادة علاقات متوازنة إذا لم تتسن العلاقات الطبيعية».
تلك باختصار كانت القصة الكاملة لـ»وفد أردني برئاسة المصري سيزور دمشق قريباً ويلتقي الرئيس الأسد» وفقاً لما أعلنه وزير الداخلية الأسبق سمير الحباشنة، الشغوف أصلاً بالوقوف على محطة العاصمة السورية من عامين على الأقل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى