الأردن: تأبين «هاشمي» لعربيات: خليط من «الحنين» للماضي والوصال و«الشك والحذر» بين الدولة و«الإخوان»
تبدو فكرة مثيرة للسؤال السياسي والاستفهام الوطني فعلاً. حفل تأبين القيادي البارز والمؤسس في جماعة الإخوان المسلمين يحصل برعاية ومبادرة ورئاسة الأمير الهاشمي الحسن بن طلال، وتحت لافتة منتدى الفكر العربي الذي يترأسه الأمير.
بناء هذا المشهد لا يمكنه أن يحصل بالصدفة في العاصمة الأردنية عمان، وجلوس القطب الإخواني الشيخ حمزة منصور إلى جانب الأمير حسن وحارس بوابة ثقيل الوزن مثل عبد الرؤوف الروابدة على منصة تأمين شخصية إخوانية كبيرة- خطوة لا يمكن ترتيبها بدون تشاور مسبق أو أضواء خضراء أو بدون أجندة تحتوي على رسالة.
لافت جداً أن تكريم شخصية مثل الدكتور الراحل عبد اللطيف عربيات، أحد أبرز أقطاب الإخوان المسلمين بعد وفاته وليس قبلها، سلوك ينطوي على رسالة من مفاصل الدولة العميقة في الأردن.
افتراضياً، يمكن الإشارة إلى أن هذه الرسالة تقول ضمنياً بعدم وجود حالة عداء صلبة وجذرية بين عمق الدولة والنظام وبين جماعة الإخوان.
وتلمح في أعماقها أيضاً إلى أن دوائر القرار المرجعي تؤسس لفارق ملموس في المسافة بين عقلاء التنظيم الإخواني وبين المصنفين منهم بالتأزيم والتوتير وإنتاج مناخ عدم الثقة.
الأرجح أن الاهتمام الرسمي الكبير الذي توازن طبعاً مع الشعبي في التعبير عن خسارة فقيد من حجم الدكتور عربيات، قبل أسابيع، له علاقة باستعداد الدولة للتعاطي مع الحالات الناضجة المؤمنة بمحلية وأردنة جماعة الإخوان مقابل الاستعداد بالتوازي للاشتباك والإقصاء مع المتأثرين أكثر مما ينبغي من قيادات الصف الإخواني بأجندة الخارج.
هنا كان الدكتور عربيات، رحمه الله، من أبرز أقطاب الاعتدال في التيار الإخواني، وقريباً بصفة شخصية من الملك الراحل الحسين بن طلال، الأمر الذي يفسر حرص الأمير حسن على قيادة حفل التأبين من باب الوفاء باسم العائلة المالكة لمسيرة الراحلين.
وسياسياً أيضاً، من باب الإشارة إلى أن عودة جماعة الإخوان إلى حضن الدولة ممكن ومحتمل، وإن كان يتطلب جهداً خاصاً وطويل الأمد لاستعادة مناخ الثقة، كما يلمح رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز في مجالساته الخاصة.
أو يتطلب خطوات أكثر من الجماعة الإخوانية لإظهار حسن النوايا والتخلص مما يسميه وزير الداخلية الجديد سلامة حماد، من الشوائب في البيت الإخواني. حماد الذي تحاورت معه «القدس العربي» بشأن العديد من الملفات الداخلية مباشرة بعد عودته وزيراً في الحكومة.. تقصد على الأرجح -كما يلاحظ قادة من حزب جبهة العمل الإسلامي الإخواني- أن يعود تكتيكياً وبيروقراطياً إلى تأسيس مسافة بين الحكومة والإسلاميين تتباين مع تلك التي أنجزها سلفه الوزير سمير مبيضين.
في هذا الإطار، يلاحظ حتى قياديون تحدثت معهم «القدس العربي» من حزب جبهة العمل الإسلامي، بأن خطوات بيروقراطية بسيطة بمستوى التلاقي والتواصل مع قيادات في التيار الإخواني من جهة وزارة الداخلية تمنعت أو اختفت مع عودة الوزير حماد، دون أن يقابل ذلك حتى اللحظة أي حوار مباشر وفعال بعد لقاء يتيم مع رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز.
بالمعنى المرجعي، رضي قادة التيار الإخواني عن منسوب التواصل في اللقاء اليتيم الذي جمع نوابهم باسم كتل الإصلاح البرلمانية مع الملك عبد الله الثاني شخصياً. ذلك اللقاء كان صريحاً ومباشراً، ونوقشت فيه بعض الملفات بكل شفافية وصراحة، كما أبلغ «القدس العربي» القطب في كتلة الإصلاح النائب والمحامي صالح العرموطي، الذي قال بأن رسائل المودة والشفافية والهم الوطني طرحتها قيادات الكتلة بوضوح أمام الملك.
دون ذلك، لم تحصل تفاعلات بين قادة ورموز المطبخ الإخواني والدوائر الاستشارية في الديوان الملكي.
ودون ذلك، لم تحصل حتى أي لقاءات أمنية بعد لقاء نادر استضافه الوزير السابق مبيضين قبل عدة أشهر.
يتحدث مطبخ الحركة الإسلامية عن سلسلة مجاملات ورسائل طيبة من قيادة الدولة لا يمكن إنكارها، قد يكون أهمها التعزية الملكية الوطنية بالفقيد الراحل عربيات، ثم اللقاء الملكي مع كتلة الإصلاح.
بالعكس من ذلك، لاحظ الإسلاميون، مؤخراً على الأقل، ارتفاعاً في نسبة الاستدعاءات الأمنية وفي نسبة قرارات منع السفر الأمنية لنشطاء فاعلين تابعين لهم، وفي حظر بعض الفعاليات.
لكن مثل هذه التحرشات البيروقراطية الأمنية لا تشكل أساساً لمواجهة أو اشتباك، وإن كانت المعطيات تعزز الاتجاه القائل بتخفيف أي صراع مع الإسلاميين وباحتواء الإشكالات، ليس فقط لأن الدولة اتخذت مرجعياً قراراً باعتزال السيناريو المصري السعودي الإماراتي في مسألة الإخوان، ولكن أيضاً لأن البيت الإخواني يرسل، بنشاط وبصيغة عميقة وهادفة، عشرات الرسائل التي يقول فيها بأنه لا يسعى لاستغلال الظروف ولا الأزمة الاقتصادية، ويؤمن بالحفاظ على الدولة والمؤسسات، لا بل يحتشد معها ومن أجلها تحت عنوان «لا نختلف على الدولة حتى عندما نختلف معها».
تلك عبارة قيلت بالمضمون والمحتوى ثلاث مرات على الأقل علناً بلسان الأمين العام الحالي لجبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة. وسمعتها «القدس العربي» أيضاً مؤخراً مباشرة في إطار الحديث عن ثوابت إستراتيجية من الشيخ العضايلة نفسه.
بالمقابل، ثمة من يريد التركيز على التشكيك عندما يستفسر عما إذا كان خطاب أكبر أحزاب المعارضة في المملكة عن ضرورة الحفاظ على الدولة هو نفسه الخطاب الذي يبرز في الاجتماعات المغلقة في الحركة الإسلامية ومؤسساتها.
تشكيك معتاد ومألوف، وفي بعض الأحيان «عبثي للغاية»، وسيبقى في الساحة؛ لأن المتصيدين في مياه تاريخ العلاقة والشراكة بين الإسلاميين والدولة كثر أصلاً في واقع الحال، وإن كان أمير محنك من صنف الحسن بن طلال يحاول الرد عليهم وهو يرعى حفل تأبين عربيات ويستعير في خطابه جملة محددة للراحل يسأل فيها عما إذا كان الأردن مستقلاً حقاً وفعلاً؟