الأردن: تجربة «الولاية العامة» أخفقت مجدداً والصحافة ترفع «الغطاء» عن حكومة الرزاز
فجأة ومجدداً يتحول رئيس الديوان الملكي، وهو المخضرم العجوز الزاهد جداً في الأضواء يوسف العيسوي، إلى نجم كبير في سماء الحراكات الأردنية. الأهم أن العيسوي أصبح نجماً في الصحافة أيضاً والتي تحولت إلى مخلب سياسي ضد حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز في مؤشر ليس من النوع الذي يتصاعد ببراءة وبحسن نية.
نشطاء بالجملة التقطوا الرسالة من صحيفة الغد اليومية وهي تنشر تقريراً عن التقصير الحكومي في التعاطي مع ملف العاطلين عن العمل وحراكهم وبصورة دفعت مؤسسة الديوان الملكي، وعلى رأسها العيسوي، للتصرف والاستدراك والاحتواء، على رأي الوزير السابق الدكتور صبري اربيحات.
الديوان الملكي يحاول التعويض… وأزمة «البطالة» حولت العيسوي لـ «النجم الأبرز»
ذلك مفصل مهم في المشهد المحلي الأردني الآن، فالصحف اليومية تحديداً تشتم بالعادة سقوط أوراق الحكومة قبل الانقضاض عليها. وليس سراً أن في طاقم الرئيس الرزاز اثنين على الأقل من مؤسسة صحيفة الغد قبل أن يغادراها باتجاه موقع وزاري، هما وزيرة الاتصال الناطق الرسمي جمانة غنيمات، ووزير الثقافة والشباب الدكتور محمد أبو رمان.
أغلب التقدير أن الإدارة الحالية لصحيفة الغد تريد أن تظهر استقلاليتها عن الطاقم الوزاري الذي كان يدير الصحيفة أصلاً قبل وقت قريب. والنتيجة بكل الأحوال واحدة، فالفرصة متاحة فجأة مجدداً لتبرير اضطرار الديوان الملكي للتدخل بسبب تقصير الحكومة الذي لا يعرف الرأي العام بعد عندما يتعلق الأمر بأزمة حراك العاطلين عن العمل كيف وأين ومتى قصرت بصورة محددة ؟
في كل حال، توازى تطورات هذا المشهد مع تنامي مجتمع الشائعات بعنوان البحث عن رئيس جديد للوزراء. ومثل هذه الشائعات عادة لا تصدر بمثل الحالة السياسية والنخبوية الأردنية مجاناً، وفي بعض الأحيان لا تصدر من فراغ. وعليه، يمكن مبكراً القـول إن الغـطاء، على الأقل في الإعلام الرسـمي وأذرعه فــي الإعـلام الخـاص، رفـع عن تجـربة الـحكومة الحـالية، وعلى أساس أن الغطاء الشعبي أصلاً مرفوع عن الرزاز ومن سبقه، ومقـدماً مرفوع عمن سيلحق به، حيث أن سـقف الشارع اليوم وصل إلى منسوب غير مسبوق من الحدة والانفعال لا يمكن الاعتماد عليه فقط في الاحتواء بناء على لعبة قديمة اسمها التغيير الوزاري. ولأن أي تغيير وزاري قريب لن يؤدي إلى استعادة الثقة بين الحكومة والرأي العام ولن يكون له علاقة باستمالة الشارع بشكل عميق وجذري، يصبح من المنطق القول إن سيناريو التغيير الوزاري إذا ما قفز إلى الواجهة له هدف يتيم سيتمثل في إقصاء الرئيس الرزاز فقط.
ويسأل الجميع في مستوى المراقبة السياسية اليوم عن جدية وإنتاجية إقصاء الرزاز لصالح الاستعانة مجدداً برئيس حكومة لا يشبهه. وبكل حال، الانطباع يزداد قوة ونمواً في الاتجاه الذي يعتبر بأن عملية رفع الغطاء عن حكومة الرزاز بدأت فعلاً. وبأن هذه العملية أصبحت قيد التنفيذ بمجرد استقبال مؤسسات سيادية في الدولة، مثل الديوان الملكي، والأجهزة الأمنية، لانفعالات المتعطلين عن العمل ومسيراتهم التي رفعت شعار «البحث عن وظيفة».
هنا تحديداً تمت بعض الإجراءات بدون ظهور الحكومة أو رئيسها بالصورة على الإطلاق، وأصبح من المنطقي أن يوجه الناس في قضاياهم واحتياجاتهم ومشكلاتهم خطابهم وحراكهم نحو المكاتب الملكية بدلاً من الحكومة.
مجدداً، تقع دوائر القرار في المأزق القديم نفسه، حيث حكومات تخفق في المبادرة والمناورة والإنجاز، أو يتم إضعافها، وحيث قوى أخرى في الدولة تتحرك باتجاه الاحتواء والاشتباك مع المشكلات تجنباً لسيناريو أخطر هو الفراغ، لأن الخطر الاستراتيجي الأهم يتمثل في انفلات المواطن وشعوره بعدم وجود جهة يتحدث معها.
تلك متوالية هندسية كانت قد اشتكت منها الحالة السياسية العميقة في الأردن طوال أكثر من عقدين، وتظهر مجدداً اليوم مع الارتباك الذي تظهره حكومة الرزاز في التفاعل مع مسار الأحداث أو في مبادرات الاشتباك والاحتواء.
لكنها متوالية يكتب لها الصمود والبقاء لسبب مجهول وغامض، وتسند مجدداً سيناريو النقاش حول إنتاجية وجدوى وعمق مبدأ الولاية العامة، وبصيغة توحي بأن أي حكومة مهما كان لونها وبصرف النظر عن رئيسها لا يمكنها العمل أصلاً وهي تتعرض للازدحام والمنافسة من قبل قوى نافذة في الدولة وبصورة تمتص صلاحياتها وتحرجها أمـام جمـيع الأطـراف.
تجربة العمل لصالح الولاية العامة اخفقت مجدداً وبوضوح بالتناغم مع اللحظات الصعبة التي تعيشها حالياً حكومة الرئيس الرزاز.