الأردن عالق في تنافس بين «حيتان التهريب» والسيجارة «المسرطنة» العابرة للحدود
الرزاز يتقمص دور «الناصح الطبي» فجأة… والمثلث يشمل سيناء والعراق ولبنان والسعودية
يقرر رئيس الوزراء الأردني فجأة الظهور مجدداً لإكمال رحلته التي سبق أن وصفها بأنها «استشهادية» في محاربة الفساد، وتحديداً في الجزء المثير منه المتعلق حصرياً بالتبغ والسجائر. هنا تحديداً يختار عمر الرزاز توجيه جرعة قاسية من النصائح الطبية وهو يتحدث عن مخاطر السجائر المهربة، محذراً مواطنيه من مرض السرطان.
طبعاً، لا توجد قرائن أو أدلة علمية تربط السرطان تحديداً بالدخان المهرب. لكن إشارة رئيس الوزراء تظهر حجم استياء الدولة، وليس الحكومة فحسب، من صمود تهريب الدخان في الأسواق بالرغم من تفكيك شبكة ضخمة كان يرعاها رجل التبغ الشهير عوني مطيع. يقر الرزاز هنا بأن التهريب يتواصل، وقبله أقر وزير المالية عز الدين كناكريه بأن الضرائب في بند الدخان من عائدات الخزينة انخفضت.
تلك كانت إشارة إنذار مبكر، إلا أن إيداع عوني مطيع ونخبة ممن كبار المسؤولين والأعوان في السجن لم ينه أزمة تهريب السجائر والتبغ التي ارتقت إلى مستوى فضيحة كبيرة. بمعنى أن فعالية تهريب السجائر وإغراق السوق بالمصنّع منها خارج القانون والذي لا يخضع للضرائب بطبيعة الحال… تواصت بكفاءة، لا بل – حسب بعض المعلومات – بصورة أوسع بعد تفكيك شبكة من وصف بـ إمبراطور التبغ المهرب.
تتجنب الحكومة هنا الانطباع الأكثر قسوة الذي تثيره هذه الوقائع في الأسواق والذي كان يلمح إليه بعض النواب، ومنهم رئيس لجنة فلسطين يحيي السعود، الذي تحدث أمام «القدس العربي» عن عدم وجود أكثر من مخالفات جمركية وعن قضايا كيدية الطابع. لم يدخل السعود بالتفاصيل، لكن ما تخشاه دوائر خبيرة في الشارع وعالم التبغ أن يكون الكشف عن شبكة مطيع جراء عمل من منافسين في السوق المهرب أرادوا إخراجه بعد أنباء عن عمليات توسعت بين يديه وشملت العراق وسورية. يعني ذلك، لو كان دقيقاً، أن الأردن يدفع كلفة كبيرة جراء تنافس بين مهربين. حجم الخذلان البيروقراطي هنا كبير، ومجسات مؤسسات الدولة أخفقت بوضوح في عزل نفسها عن هذا التنافس الضار، حيث شبكات حيتان تقيم علاقات ليس في عـمق المجـتمع فقط.
ولكن في عمق النخبة وفي أوساط الموظفين أيضاً، والأهم أن هذه الشبكات الخطيرة والتي يتحدث الرزاز اليوم علناً عنها تمكنت لسنوات من تضليل العدالة وخداع الأجهزة، لا بل من اختراق بعض المؤسسات في بعض التفاصيل، الأمر الذي يبرر اعتقال وتوقيف ومحاكمة مسؤولين سابقين في أجهزة مهمة مثل الجمارك، وبينهم مديرون ووزير سابق حتى الآن.
في كل حال، لا يريد الرزاز الإقرار بهذه الخيبة الكبيرة. لكنه يؤشر عليها وهو يقرّ علناً، عبر برنامج البث المباشر في اتصال حي صباح الإثنين مع الإذاعة الرسمية، بأن مخاطر استمرار عملية تهريب وتصنيع السجائر تتعدى حرمان الخزينة من العائدات الضريبية باتجاه المساس بصحة الأردنيين؛ لأن بعض المواد التي تستخدم في السجائر المهربة مجهولة أو غير شرعية. لا بل أفتى الرزاز، وهو يقدم قرينة على عمق المشكلة، بوجود مواد مسرطنة لا تخضع للرقابة.
تحدث في المقابل عن منع سفر بعض رجال الأعمال فعلاً، كما تحدث عن مجموعات حققت أرباحاً، وصفها بأنها خيالية، عبر السجائر المهربة، مؤكداً أن المسألة تخص الأمن الوطني ولم تعد تتعلق بمجرد تهريب. ويعني ذلك أن الرزاز نفسه يكشف عن بعض الأوجه الحساسة جداً في «لغم» السجائر والتبغ، الذي وضع الدولة الأردنية وليس الحكومة فقط أمام اختبار قاس بكل المعاني والدلالات، تعلن حكومة الرزاز أنها قررت مواجهته. وعليه، لا يستطيع الرزاز اليوم توجيه اللوم للرأي العام أو للمواطنين أو للصحافة، أو حتى لما تبقى من الحراك أو لرئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات، وذلك عندما تتحدث كل هذه الأطراف عن قضية مطيع باعتبارها حلقة صغيرة في نشاط إجرامي أوسع وأكبر بكثير، له بعد إقليمي هذه المرة.
الحديث هنا عن شبكات تهريب مخترقة للحدود، وحيث حسابات أمنية معقدة لها علاقة مرة بحيتان من العراق يتاجرون بالتبغ غير الشرعي، ورفاق لهم في السعودية يشاركون في هذه التجارة الحرام. وحيث نشاط، يربطه أردنيون مرة بحزب الله اللبناني، ومرة أخرى بتواطؤ وصمت جهات في النظام السوري، ومرة ثالثة بشبكات مصرية متمرسة. وعلى صلة بنظام المتاجرة غير الشرعي عند بعض العناصر الأمنية المصرية في سيناء والجزء المصري من حوض البحر الأحمر.
نعم، قضية التبغ أكبر مما توقع الجميع.. قالها عبيدات مبكراً أمام الملك عبد الله الثاني. لكن الجديد أن الرزاز قالها أمس بطريقته المواربة، بعدما قرر اللعب بورقة يتقمص فيها دور الخبير الصحي وهو يتحدث عن سرطان يستقر في أحشاء السجائر غير الشرعية، مع أن السرطان مرض ارتبط اسمه بالتبغ والدخان بصرف النظر عن التهريب.