يسجل لوزير الاتصالات والريادة الرقمية في الأردن، مثنى الغرايبة، إقراره العلني بأنه أخطأ.
وزير يقر بحصول خطأ من الأحداث النادرة في الأردن.
لكن الأمر حصل ظهر أمس الخميس عندما نشر الوزير الغرايبة رسالة على صفحته التواصلية «تويتر» يقر فيها بأنه لم يكن موفقاً في اختيار الأمثلة التي طرحها وهو يتحدث للرأي العام عن رسوم وضرائب على إعلانات المنابر التواصلية.
لافت جداً في السياق أن الوزير نفسه صنف إقراره بأنه ليس عذراً لمن يتحمل مسؤولية عامة.
وكان الغرايبة أثار قبل ذلك عاصفة من الجدل عندما كان يحاول ضرب مثال على قرارات سيئة قد تلجأ إليها الحكومة في حال لم تفرض ضرائب على إعلانات الشركات العالمية، وبدا الجدل عندما سأل الوزير: هل تريدون من الحكومة حجب «فيسبوك»؟
لاحقاً، قرر الوزير الشاب والحراكي المعارض سابقاً طمأنة الأردنيين بقوله: لا يمكن حجب «فيسبوك» في الأردن، وكلماتي أخرجت عن سياقها، والتوضيح واجب، ولم أكن موفقاً في شرح ما أريده.
غريب جداً في السياق السياسي أن يقر وزير مختص بحقيبة الريادة بمثل هذا الاجتهاد الخاطئ، والأغرب في الحالة الوزارية الأردنية سابقة الاعتذار والإقرار بالخطأ. لكن الغرايبة هنا، وقد قاتل رئيس الوزراء عمر الرزاز بعنف لتوزيره أصلاً وعارض كل المؤسسات والأجهزة في القرار، يعكس في الوقت نفسه منسوب العثرات الشخصية لبعض الوزراء، التي تدلل على افتقاد الحكومة بصورة عامة لهيبة ولياقة التحدث في الوقت الذي تتحول فيه، وسط مجتمع مترصد بكل صغيرة وكبيرة، أخطاء وتصريحات وعثرات الوزراء إلى قضايا رأي عام.
لم يكن الوزير الغرايبة وحيداً في هذا المضمار في الأسبوع الأخير، فوزير الصحة سعد جابر أشغل الناس والشارع بحادثة موظف بسيط اسمه «فرج» تم نقله تعسفياً من مكان عمله لأنه -وحسب الصورة الدرامية التي بنيت للقصة- تجرأ على المشاركة في نقاش مع الوزير عندما زار مستشفى الحكومة في منطقة الأغوار الشمالية.
الموظف المدعو فرج أصبح على كل لسان في الأردن بعدما استعان بـ»فيسبوك»، ثم برز أن الضغط عنيف على وزير الصحة بسبب نقل فرج من مكان عمله، حتى اضطر الأخير وتحت قصف عنيف من الشارع إلى الخروج، موضحاً أن قرار نقل فرج اتخذ ليس لأنه قاطع الوزير أو شارك في النقاش، ولكن لأن الهدف كان خدمة الموظف الشاب بنقله إلى مكان قريب من سكنه. طبعاً، تلك رواية ترقيعية متأخرة للحدث بعد خمسة أيام انشغل فيها الأردنيون بفرج وبما حصل معه.
يضطر الوزراء إلى التوضيح والاستدراك، لكن بعد وقت طويل ومتأخر من بناء تصورات كاملة لدى الرأي العام؛ فتوضيح الوزير جابر بشأن قصة فرج صعد في اليوم الخامس، وتوضيح وزير الريادة الغرايبة احتاج إلى ثلاثة أسابيع على الأقل حتى يدرك الرجل بأنه لم يكن موفقاً في طرح الأمثلة.
تلك مسألة تخص ثقافة الوزير البطيء في التعاطي مع متطلبات وظيفته وواجباته، لكنها بدون قصد مسألة توحي ضمنياً بالفوقية التي يمكن أن يتمتع بها أي موظف برتبة وزير، خصوصاً أن الملك عبد الله الثاني شخصياً، وفي اجتماع مفصلي لمجلس الوزراء، تحدث علناً وأمام الكاميرا عن وزارات تضع العراقيل بدلاً من إزالتها في وجه المستثمرين والقطاع الخاص، معتبراً أن ذلك أصبح معروفاً ومفهوماً، بمعنى عدم وجود مبرر لنفيه أو النقاش فيه.
يمنح قرار لوزير الداخلية القوي سلامة حماد، المتربصين بحكومة الرزاز مادة دسمة أيضاً عندما يقرر الوزير المخضرم التخلص من الأمين العام لوزارته، الدكتور رائد العدوان، وإحالته على التقاعد.
«الشارع الإلكتروني» أظهر مستويات غير مسبوقة من الانزعاج بعد قرار إحالة العدوان الذي اعتبر من ست سنوات أحد أبرز الوجوه الشابة الديناميكية في مستوى الحكام الإداريين.
عنصر المفارقة الذي تسلطت عليه الأضواء هنا هو أن الأمين العام المحال على التقاعد في وزارة الداخلية قد يكون الموظف الرفيع الأقل سناً اليوم في المستوى البيروقراطي الأمني، بينما الوزير الذي أحاله على التقاعد يقترب أو تجاوز الثمانين من عمره.
تعامل الشارع مع إحالة الدكتور العدوان باعتبارها إقصاء لجناح الشباب. وبالنسبة إلى الوزير حماد، لديه وجهة نظر في طاقمه الذي يريد منه أن يعمل معه، وقد أبلغ «القدس العربي»، بعد أيام فقط مباشرة من توزيره، بأنه وضع الأمين العام بصورة قراره المتأخر لشهرين، على الأقل، وعلى أساس ملاحظات فنية وتكنوقراطية لها علاقة بانسجام العمل في الوزارة، مع أن الصورة التي يعيق فيها العدوان العمل ليست واضحة بعد.
على جبهة وزير اللامركزية والبلديات المخضرم أيضاً، وليد المصري، ثمة حادثة التقطها التواصل بقوة وهو يقرر إصدار عقوبة الإنذار بحق أحد رؤساء مجالس المحافظات، لأن الأخير تراسل مع رئيس الوزراء بدون مرجعيته، وهو الوزير.
المصري وحماد استندا بطبيعة الحال إلى الصلاحيات التي يتيحها لهما القانون. لكن الرأي العام يتربص بالتفاصيل ويعيد عرض وإنتاج وقراءة وتقييم كل قرار إداري، مائلاً بقوة نحو المناكفة والتصيد للحكومة. يحصل كل ذلك مع وزراء حكومة الرزاز بعد توبيخ ملكي علني للطاقم الاقتصادي وفيما يغادر الرئيس في زيارة قصيرة من الواضح أنها خاصة وعائلية إلى روما عشية أنباء تتواتر عن تعديل وزاري وشيك.