الأردن قبل دافوس البحر الميت وفي انتظار «رمضان ملتهب»: طرد وزراء من البادية… وهتافات تشيد بالملك وتهاجم الحكومة
حتى اللحظة لا تبرز في الأردن إشارات قوية على حكمة أو نجاعة السيناريو القاضي بإقصاء الحكومة الحالية برئاسة الدكتور عمر الرزاز والانتقال إلى مستوى وزارة جديدة كما يأمل خصوم الرجل والتجربة وكما يتوقع كثيرون، خصوصاً في عمق الحراك الشعبي الأعنف من غيره.
تبدو الحكومة حائرة إلى حد كبير في ترسيم مستقبلها السياسي القريب. لكن أوساط الرزاز تخلصت على الأرجح من تلك القناعة القديمة التي تحركت بفضاء يتحدث عن حكومة في عمر سنتين ترحل مع البرلمان الحالي ضمن ترتيبات وتفاهمات تؤسس لمرحلة جديدة. وقال الرزاز ذلك مرتين على الأقل وأمام «القدس العربي»، معتبراً أن سقف حكومته الزمني عامان، على الأقل حتى تنتهي الدورة الحالية للبرلمان، الأمر الذي اعتبره سقفاً زمنياً معقولاً لمحاولة تحريك الحصاة في المياه الراكدة والعمل على تأسيس ما وصفه دوماً بمشروع نهضة وطني، أصبح بحكم الواقع الموضوعي مثاراً للسخرية، المرة عند الأردنيين طوال الأشهر الأربعة الماضية ومنذ حادثة البحر الميت المفجعة التي كشفت عن ضعف البنية التـحتية.
صعود مباغت وهامس في العودة إلى صيغة «إلهاء الشارع» بانتخابات
اليوم يتصور المقربون جداً من الرزاز أن سقف العامين مبالغ فيه. لكن القرار حائر أيضاً بالتفاصيل وبالبديل، فقد طرد وزراء الرزاز مجدداً وموظفيه من البادية الجنوبية ومن مدينة معان وأطلقت ألفاظ نابية على وزير العمل تحديداً وهو يحاول عرض وظائف على أهالي البادية الجنوبية، في الوقـت الذي كـان فيه المواطنـون هنا يهتفون للملك والجـيش والـدرك ويشـتمون الحـكومة.
في الأطراف، مقاربة الاحتجاج والاعتراض مختلفة عن تلك المستقرة في وسط العاصمة عمان، حيث هتافات وتعليقات وشعارات تعتبر الحكومة مجرد واجهة وتطالب بإسقاط النهج كله.
تجد حكومة الرزاز في ظل هذا الوضع الاجتماعي والاقتصادي المعقد جداً نفسها غارقة في المفارقات، حيث ترفضها أوساط المجتمع التقليدية ويهاجمها بغلاظة الحرس القديم، ويرفع عنها الغطاء الأمني بين الحين والآخر وبدون أسباب ومبررات واضحة لشهود العيان على الأقل. ولا يمكن تسجيل أي إنجاز من أي نوع من قبل أي حكومة في ظل هذا الوضع المأزوم والمعقد.
مثل هذا الاستعصاء الإداري، وبعدما رفع الرزاز شعار الطائرة الخربانة التي لا بد من إصلاحها أثناء التحليق، هو السبب في إنتاج كمية إضافية من التسريبات والشائعات في صالونات النميمة السياسية التي قفزت للواجهة مجدداً وبسرعة، بسبب التكهن في البعد الإقليمي وثقافة الابتزاز عند الشارع، وأيضاً بسبب تجاذب مراكز القوى داخل الدولة والبرلمان وخارجهما.
آخر ما يشعر به رئيس الوزراء هو الخذلان وصعوبة المهمة، وتوقف الرجل عن القول بأنه لن يستسلم، في الوقت الذي تطفو فيه على السطح حالة إنكار وتنكر لإنجازات حقيقية للحكومة ليس من المنصف إنكارها، فقد فتحت السوق العراقية وتحسنت العلاقات مع سوريا وتركيا، وأخرج الرزاز بلاده من عنق الزجاجة التي وضعها على الطاولة صندوق النقد الدولي.
في الأثناء نجح الرزاز في تحقيق أول سابقة مثيرة جداً عندما فتح ملف فساد السجائر والتبغ على مصراعيه. لكن مثل هذه المنجزات والمنتجات لحكومة الدوار الرابع ينكرها كثيرون اليوم، وهم يطالبون الحكومة بما لا تستطيع فعله، مما يشكل قاعدة تنطلق منها التكهنات والتسريبات، وتلك الحروب الصغيرة التي تشن بيروقراطياً على أي رئيس حكومة من لون مختلف أو يرغب بالعمل.
عملياً، إنكار المنتج والمنجز هنا مقدمة لترحيل الحكومة، لكن الفوارق دوماً بالتوقيت سياسية وبامتياز، لأن مركز القرار قد لا يسمح لشارع بتشكيل انطباع يقول بأنه يستطيع إسقاط الحكومة التالية بعدما أسقط حكومة الرئيس هاني الملقي. البلاد تستعد في الشهر المقبل لقمة دافوس البحر الميت، ومن الصعب إجراء تغيير وزاري قبل ذلك. لكن مخاطر الاحتقان الاقتصادي والاجتماعي تقرع كل أجراس الإنذار قبل حلول شهر رمضان المبارك في مطلع شهر أيار المقبل، والمطلوب بإلحاح وقسوة استرخاء اقتصادي من أي نوع وفي فترة زمنية قصيرة، مما يبرر هوس الانفتاح على العراق وسورية وتركيا وقطر، والحماسة لتوصيات وفعاليات مؤتمر لندن الاستثماري .
أغلب التقدير أن حكومة الرزاز قد تخفق في تحصيل مساحة محصنة ومعقولة من الاسترخاء الاقتصادي الاجتماعي وخلال أسابيع قليلة .
هنا تحديداً يبرز سيناريو البديل بناء على وصفة قديمة وكلاسيكية جداً تحتوي انفعال الشارع واحتقانه بأشغاله مجدداً بانتخابات عامة وحكومة جديدة ضمن سقف زمني قد يبدأ مع نهاية شهر رمضان أو يتجاوز في اتجاه الشهر الذي يليه. وهنا ثمة من يتحدث اليوم في الأروقة همساً عن دورة استثنائية سريعة للبرلمان بجوار شهر رمضان تقر قانون انتخاب جديد وتمهد لانتخابات مبكرة تنتهي بعد إجرائها تجربة الحكومة والبرلمان معاً. ومثل هذه الوصفة كلاسيكية وقديمة وتنطوي على تنظير جديد باسم «إشغال وإلهاء الشارع» في عمليةٍ شروط نجاحها حتى الجزئية غير مضمونة.