الأردن: مطالبات بـ «الإعدام» لمرتكب الجريمة الوحشية بحق طفلة في الرابعة… واتهامات بقصور «أمني وتشريعي وسياسي»
تبدو الجريمة التي ارتكبت في الحالة الأردنية ضد الطفلة نيبال وهي في الرابعة من عمرها وبعدما هزت فعلاً وقولاً أركان المجتمع الأردني وخطفت اهتمام الرأي العام من كل القضايا والملفات الأخرى من الجرائم الحادة والبشعة التي لا يمكنها أن تمضي أو تغلق بدون وقفة «سياسية» وأخرى «أمنية» وثالثة» تشريعية». القضية تتعلق بطفلة في الرابعة من عمرها ذهبت في أحد الأحياء الشعبية لشراء شيء من البقالة.
في الطريق قابلها جار شاب في الـ 17 من عمره وحاول على الأرجح الاعتداء عليها، لكنها صرخت فقرر قتلها بضربها على رأسها، ثم وضع الجثة في مخزن قريب لأحد الجيران. هذه طبعاً ليست الرواية الرسمية المباشرة والأكيدة. لكن أغلب التقديرات الأمنية ترجح أن القاتل الصغير مراهق بلا مدرسة ولا عمل، ولديه أسبقيات جنائية، وكان في حالة نشوة ناتجة عن المخدرات.
المثير في هذه الجريمة أن والدة القاتل المفترض والمشتبه فيه الرئيسي كانت تشارك في مواساة والدة الطفلة القتيلة التي كشفت عن جثتها الكلاب البوليسية المدربة بعد ثلاثة أيام من التبليغ عن ضياعها.
لأول مرة يتوافد مئات المواطنين الأردنيين من كل المحافظات إلى مقر العزاء المقام للطفلة وبصورة غير مسبوقة، وقبل يومين من دفنها الذي يفترض أن يحصل ظهر أمس الإثنين.
بطبيعة الحال، لا تقف عائلة الطفلة المغدورة وحدها وسط مطالبات محمومة بإعدام القاتل، حيث ظهرت هنا-ورغم بشاعة الجريمة-كل مؤشرات المحكمة الشعبية، والمتهم هو القصور القانوني وقرارات الحكومة وتشريعاتها التي تبقي العديد من أصحاب الأسبقيات في الشارع.
بعض الخبراء في القانون استبعدوا عقوبة الإعدام ما دام الحدث المجرم دون السن القانونية.
لكن الرجل الذي يدير الأمور عشائرياً في عائلة الضحية حذر الأردنيين علناً وبالصوت والصورة من خطر على حياة أطفالهم في حالة عدم توجيه رسالة لأمثال القاتل من المجرمين وأصحاب السوابق ومن يتعاطون المخدرات أو غيرها. طبيعي جداً أن تمتنع عائلة الضحية عن تقبل العزاء فيها قبل صدور قرار بإعدام القاتل.
الجديد هنا أن عشرات الآلاف من الأردنيين يتضامنون مع العائلة في هذا المطلب، ويصرون على الإعدام نظراً لما بثته من رعب وخوف هذه الجريمة في أوصال المجتمع، خصوصاً وأن مرتكبها هو أحد «جيران» المغدورة، الأمر الذي يعكس تحولات عميقة في اتجاهات المجتمع وغياب الأمن والأمان عن فعالياته الأساسية بعدما كانت «الحارة والجيرة» طوال الوقت من عناصر الأمن والاستقرار.
المتهم أيضاً البرلمان ومعه التقصير الأمني. وقبل الجميع، تعبيرات الجمهور تتهم المجتمع نفسه الذي يمارس كل أنواع التقية والتغطية على انحرافات المخدرات، حيث المجتمع مهدد الآن برصد المزيد من الجرائم المماثلة تحت وطأة الضائقة الاقتصادية.
في كل حال، سياسياً، يواجه الأردنيون تداعيات ونتائج جريمة قتل طفلة صغيرة ستشكل محطة تاريخية على الأرجح في سلسلة مراجعات، وستكشف عن مزيد من القرارات والتوجهات، خصوصاً وأن الشارع لم ينشغل في قضية كما فعل مع قضية الطفلة إياها، ولم يحتشد وراء مطالب جديدة بالبعد الأمني كما حصل.
الجريمة ستسلط الضوء أكثر، خصوصاً إذا تفاعل معها البرلمان في الأيام المقبلة على مسألتين في غاية الأهمية؛ الأولى تخص البعد التشريعي حصرياً، حيث تشتكي الأجهزة الأمنية من قصور تشريعات لا تساعدها في الاحتفاظ خلف القضبان بمرتكبي الجرائم الجنائية المكررة، ولا تساعدها في ضبط واعتقال أصحاب الأسبقيات والمشتبه بهم الذين سرعان ما يتدخل لصالحهم الجميع.
تلك مهمة السلطة التشريعية والبرلمان.
لكن بالمقابل، يؤشر المتداخلون، خصوصاً بعدما اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بتداعيات تلك الجريمة، على مظاهر الخمول الإجرائي عند السلطة الأمنية التي لا تبذل الجهد الكافي لجمع المنحرفين في الشوارع والأزقة، والحد من الانتشار الواسع للمخدرات، الذي أصبح مسؤولاً عن سلسلة من أبشع الجرائم التي تحتفظ بها ذاكرة الأردنيين.
و يشـير المسـؤولون في الأجهزة الأمنية إلى القصور التشـريعي وضعف الإمكانـات في المواجـهة ماديـاً، حيث لا تخصـص الـموارد الكـافية لإدارة عمليات أمنية وجنائية لما يزيد عن 10 ملايـين شخص يقيمــون في البـلاد الآن.
وحيث-وهذا الأهم-يضغط الجميع «من فوق ومن تحت» على الأجهزة الأمنية دون غيرها، فهي المطلوب منها معالجة كل نتائج الاختلالات التي تنتج بالتوازي عن قصور الإجراء الحكومي والسياسي والتشريعي وضعف وهشاشة مواقف المجتمع ووحداته من العائلة إلى القبيلة والعشيرة، وأخيراً المنطقة والجهة.