الأردن والتحرش بحكومة الرزاز… هل بدأت عملية «رفع الغطاء»؟
لا يبدو أن هناك «انقلاباً» وشيكاً على حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز في الأردن، وإن كان في الوقت ذاته أبعد بمسافة معقولة عن إستراتيجية التصعيد في «الولاية العامة» أو التوجيهات التي أطلقت قبل ثلاثة أشهر بعنوان «ترك الرزاز يعمل» والتخفيف من «مزاحمته» ومنح الحكومة «هوامش مناورة مستقلة».
عليه، يصبح السؤال: ما الذي يحصل، وهل بدأت عملية التحرش البطيئة بحكومة الرزاز تمهيداً لسيناريو «رفع الغطاء»؟
عملياً، تبدو الإجابة عن السؤال الذي يدور الآن في ذهن كل صناع ورواد الصالونات والأوساط السياسية مستعصية، خصوصاً مع نمو بعض المؤشرات التي من الصعب فهمها في سياق استمرار توفير الدعم المؤسساتي للرزاز وطاقمه.
في اجتماعات سيادية مثلاً، هزمت مقترحات الرزاز في اختبار التفكير بتعديلات «جوهرية» على قانون الانتخاب وبالضربة القاضية.
ولوحظ في الأثناء أن وزراء في حكومته كانوا الأكثر حماسة للتنديد بمقترحاته وإخراجه من المشهد ونظام الأولويات حتى من خصوم التجربة والحكومة.
لوحظ أيضاً، على المستوى السيادي ومن دون حضور الرزاز، أن سيناريو «ترحيل الحكومة والبرلمان معاً» وضع كورقة احتياطية قد تتطلب الظروف طرحها.. قبل ذلك، لم يكن ذلك بين الاحتمالات بل تم تمكين الرزاز من الإطاحة بمسؤولين بارزين متقاعدين الآن في المستوى الأمني ومكاتب الديوان الملكي لصالح نظرية.. «الرئيس يكثر من التذمر والشكوى .. افسحوا له المجال».
لكن السؤال: هل توقفت الحكومة عن التذمر؟
الإجابة أيضاً صعبة وتحتاج إلى مزيد من الوقت، وإن كانت بعض التجليات بدأت «تتهم» وزراء بعينهم مقربين جداً من رئيسهم بالتغريد خارج السرب و«إحراج الدولة» والإكثار من «تسريب المعارضين» للاجتماعات والتقاط الصور معهم.
يجلس وزير الشباب والثقافة الدكتور محمد أبو رمان في الصدارة هنا. تليه الناطق الرسمي ووزيرة الاتصال جمانة غنيمات، التي تحاول تأسيس «موازنة» محتملة يستوعبها الجميع قوامها الانسجام مع تراثها المهني الإعلامي والتعبير عن هوية الرئيس الرزاز الفكرية، وفي الوقت نفسه توفير – ولو مقعد صغير – تتعامل معه «الدولة» بندية، الأمر الذي لا يمكن وصفه بالمهمة السهلة.
لافت في السياق أن الرزاز والمقربين جداً منه، وعددهم قليل بين الوزراء بالمناسبة، دخل في دوامة «تجديد الارتياب» منذ نجح «خطأ فردي أمني» كما وصف في تفجير لغم شعبي ضد حكومته بحادثة «كلب البوليس».
ملامح الارتباك بدت واضحة بقسوة على الرزاز وهو يحاول التبرؤ في مدينة إربد من وجود كلب بوليسي سبقه إلى قاعدة بلدية المدينة وأنتج سخطاً في الشمال.
محاولة التعويض كانت سريعة وفعالة في الجنوب، حيث جولة تفقدية شاملة لأوضاع مدينة العقبة بعد رسالة قريبة من «الاستغاثة» لإدارة سلطة إقليم المدينة الجديدة بعنوان «أغيثوا ثغر الأردن الباسم».
في الطريق إلى العقبة، غادر الرزاز بطائرة ركاب وجلس وسط المواطنين في الدرجة الاقتصادية.
عند العودة ظهر براً، يتفقد الطريق الصحراوي الذي أصبح -مثل مشروع الباص السريع- حجة لصالح «الإخفاق والفشل» حيث عشرات الحوادث والضحايا.
تفقد الرجل الطريق الدولي بعدما طالبه المئات من أبناء الجنوب بأن يخوض تجربة قيادة سيارة «ولو مرة» حتى يدرك المعاناة.
ظهرت موجة الارتباك الإضافية على خطاب رئيس الحكومة قبل ذلك وهو يوصل لإعلاميين التقاهم «رسالة غير واضحة» بخصوص اتجاه حكومته بمسألة قانون الانتخاب… غادر صحافيون كبار مع سؤال: ما الذي يريد دولة الرئيس أن يقوله لنا؟
هنا بدت الحكومة عاجزة عن «قول كلمتها» بشأن خيار استثنائي له علاقة بقانون الانتخاب.
رئيس الوزراء «لم يعد يشعر بالارتياح».. تلك قناعة مترسخة في الوسط السياسي اليوم، ومؤخراً تردد أنه بدأ يجلس مع الموثوقين جداً دون اصطحاب هاتفه الخلوي وتكثر تلميحاته المشوشة.
«استرخاء» الدكتور الرزاز قبل أسابيع فقط كان هدفاً وطنياً تجمع عليه مؤسسات القرار.
ويبدو أن الأمور تتغير فجأة، خصوصاً مع حالة العصيان غير المفسرة التي أعلنتها نقابة المحامين على أهم محاور التعديل الضريبي الجديد في نظام «الفوترة». بعد المواجهة مع المحامين والمعلمين بدأت تتكاثر شكاوى الأسواق، وقرر الرزاز تحت ضغط العمل الحصول على «أول إجازة عائلية» خارج البلاد، فيما كان وزيره للتخطيط محمد العسعس يستقبل بحفاوة في واشنطن تكريماً للثقة التي حققها الرزاز في هندسة ملف قروض الأردن الخارجية.
في غضون ساعات، ينهي الرزاز إجازته العائلية ويعود للاشتباك اليومي مع التفاصيل بعدما اكتشف بأن «الواقع أقوى من الحكومة» في الوقت الذي يستعد فيه أعضاء مجلس النواب للتحرش بالحكومة وإشغالها وإرهاقها لأسباب اقتصادية وبعد الفوضى التي نتجت في الحالة الإعلامية الوطنية بعد التغييرات الأخيرة في رئاسة الأركان والجيش.