الأردن والمسجد «الأقصى»: ما الخيارات؟… اليمين «السعودي» انضم إلى الضغط واكتشاف «خطأ فادح» في اتفاقية «وادي عربة»
إخراج «الحرم المقدسي» من المعادلة و«المنافسة» في حصة «المسجد»
الأردن والقدس .. مجدداً، ما هي الخيارات؟ يعود السؤال وبقوة إلى قمة المشهد، ولكن بطريقة أشد وطأة في الجانب السياسي؛ لأن لحن اليمين الإسرائيلي بدأ يعزف على وتر الأردن الحساس وبكل قوة وبطريقة مؤذية جداً تحاول مجدداً الاسترسال في فرض الواقع.
الفكرة هنا أن اليمين الإسرائيلي، مدعوماً بحليفه الأمريكي، يمضي قدماً في إنتاج مزيد من الوقائع الحاسمة في مسألة القدس تحديداً حتى يخرج ملف القدس من أي اتصالات أو مفاوضات محتملة مع جميع الأطراف لاحقاً
تلك استراتيجية سياسية لتل أبيب، وواشنطن تصطدم اليوم بأغلى وأهم ورقة سياسية أردنية، وهي – حصرياً – ورقة الوصاية الهاشمية، لأن تلك الوصاية بشكلها التاريخي والمألوف والمعروف يمكن اعتبارها لاحقاً، وفي السياق السياسي، المظلة التي توفر للأردنيين دوماً مقعداً أساسياً على كل طاولات الإقليم خلافاً لأنها ورقة بمنتهى الحساسية عندما يتعلق الأمر بحسابات الدولة الأردنية بين الضفتين وحول نهر الأردن.
لذلك، حصرياً، بدأت مؤسسة القرار الأردني تعمل في مسألة القدس في نطاق حرج وضيق للغاية وسط تراجع كبير في مستوى التنسيق مع الإدارة الأمريكية وأزمة ثقة تبرز لأول مرة مع العمق الإسرائيلي وليس حكومة اليمين فقط. وتشعر عمان، وهذا ما يرشح من أوساطها وصالوناتها، بأن إخراجها من معادلة القدس أصبح هدفاً لعدة أطراف، فلا يقتصر الأمر على اليمين الأمريكي أو الإسرائيلي، ولكن يضم على نحو أو آخر نظيرهما اليمين السعودي الجديد، حيث غموض شديد في ملف الطموحات السعودية بلعب دور في القدس هنا بالرغم من كل الضمانات والتأكيدات العلنية بالاتجاه المعاكس.
يتعامل الأردن بصعوبة بالغة مع حساسية علاقاته المرهقة بدوائر القرار السعودي التي يستحكم فيها اليوم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. والإرهاق هنا أصبح علامة فارقة، حدوده مشتبكة ما بين سيناريو سعودي يجازف بالتآمر ولو نسبياً على الدور الأردني في القدس، وبين تعقيدات العلاقات الثنائية أصلاً والنكران والجحود الاقتصادي. وبكل حال، قرع الأردنيون جرس الإنذار وبقوة بعدما لعب اليمين الإسرائيلي بآخر ورقة مقلقة جداً عبر وزير الأمن الداخلي بعنوان السماح لليهود ولأول مرة بدخول باحة المسجد الأقصى للصلاة فيه.
ثم بدأت أوقاف القدس التي تدير شؤون المسجد الأقصى، وبتعليمات من عمان، تغرق في تفاصيل فكرة الصمود أمام فكرة مرعبة ستؤدي إلى تقويض أساس الوصاية الهاشمية، بعنوان ترتيب ما «يسمح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى». وحتى بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، كان حرم المسجد الأقصى – وبكل الأدبيات – حصة يقر بها الجميع للأردن فقط، وإن كان يشكل نحو 23 % فقط من الأوقاف والمقدسات الإسلامية والمسيحية.
اليوم يخطط اليمين الإسرائيلي لمزاحمة الأردن مجدداً حتى على تلك الحصة، الأمر الذي يبدل في الوضع القائم بشكل عميق وجذري إذا ما نتج واقع موضوعي يقود إلى مفاوضات فنية تحت عنوان تنظيم دخول اليهود إلى حرم المسجد الأقصى، وهو ما يلمح إليه الأمريكيون في كواليس المشهد، بكل حال.
دخول اليهود إلى حرم المسجد الأقصى يبدد تماماً فكرة الوصاية الهاشمية ويعيد إنتاجها، لكنها فكرة قد يقبلها السعودي باسم الدول الإسلامية في نهاية المطاف.. هذا أخطر ما في الاستنتاجات والاستشعارات الأردنية المبكرة.
الأكثر رعباً أن ساسة كباراً في المؤسسة الأردنية يؤكدون اليوم حصول «خطأ فادح» قبل أربعة وعشرين عاماً بكلمة أو كلمتين أثناء التفاوض على اتفاقية وادي عربة وباللغة الإنجليزية.
وهو الخطأ الذي لا يتضمن عملياً لغة أي نص له علاقة بوصاية هاشمية، بل زاد في نسبة الخطأ تلك العبارة في اتفاقية وادي عربة التي منحت بغفلة من المفاوض الأردني إسرائيل «حق الموافقة» على دور أردني في الرعاية، وليس حق الإقرار النصي بهذا الدور.
يقر المفكر السياسي المخضرم، عدنان أبو عودة، بفكرة أن من توافق على منحه الحق بالموافقة لا تلزمه باستمرارها، ويمكنه أن لا يوافق لاحقاً أو ينقلك إلى التفاوض على تجديد الموافقة.
تلك، بصورة محددة، أزمة الدور الأردني في المسجد الأقصى اليوم، بالتوازي مع فكرة وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي المتطرف عن حقوق لليهود في الصلاة بساحة المسجد الأقصى.
ما يريده، بقياس الإسرائيلي، إبعاد الدور الأردني عن ملف الأوقاف الإسلامية والمسيحية، وحتى الحرم القدسي وحصره بحرم المسجد الأقصى جغرافياً، وحتى بعد هذا الحصر اختراق الحصة الأردنية بالسماح لليهود بدخول باحة المسجد الأقصى.
تلك حالة تشكل تحدياً كبيراً ليس للوصاية الهاشمية فقط، ولكن أيضاً للأردن بكل تفاصيله ومؤسساته، ضمن سياق لواقع جديد يبدل تماماً في الأمر الواقع والمستقر منذ عشرات السنين.
فهل يستطيع الأردن اليوم التعامل مع تحد من هذا النوع؟
الموقف صعب ومعقد، لكن الصرخة السياسية والدبلوماسية انطلقت بالمقابل وبعد ستة أيام من الانتظار الغامض عندما استدعى، أمس الأول، الأمين العام لوزارة الخارجية الأردنية زيد اللوزي سفير الكيان الإسرائيلي في عمان وأبلغه بالاحتجاج، دون أن يعلم الرأي العام بعدُ ما إذا كانت دولته اليوم قادرة على ما هو أكثر من الاحتجاج في مسألة المسجد الأقصـى أو القـدس.