اراء و مقالات

الأردن في «مقايضة» دستورية مدروسة والرفاعي «يشرح»

كيف قررت «الدولة العميقة» الاحتراز قبل صعود «حكومات حزبية»؟

عمان- «القدس العربي»: لأسباب متعددة يمكن فهمها أو استيعابها، قدم رئيس الوزراء الأردني الأسبق سمير الرفاعي، رواية أوضح وأصلب من تلك التي تقدمت بها الحكومة نفسها عندما تعلق الأمر بتفسير وتوضيح مبررات وخلفية ومسوغات الاندفاعة التي تقررت على نحو مفاجئ قبل نحو عشرة أيام فقط، بعنوان تعديلات دستورية وسط مخاوف من أن يكون الهدف منها الحد من صلاحيات حكومة أغلبية برلمانية مقبلة أو وشيكة بعد ثلاث سنوات.

كيف قررت «الدولة العميقة» الاحتراز قبل صعود «حكومات حزبية»؟

الجزء الأهم المثير للجدل بالتعديلات الدستورية هو ذلك المختص بالعمل على تأسيس مجلس جديد للأمن الوطني يتولى قضايا الأمن والسياسة الخارجية بصيغة يرى المعترضون أنها «تنتقص» من صلاحيات حكومات المستقبل.
رغم أن التعديل الدستوري هنا خطف الأضواء من تشريعات «المنظومة السياسية» التي ترأّس لجنها الرفاعي نفسه، إلا أن الأخير هو الوحيد بين كبار السياسيين الذي تقدم بـ»مرافعة توضيحية متماسكة» إلى حد معقول، بصرف النظر عن إسنادها أو الاختلاف معها، مع أن على المحك اليوم سيكون شكل الحكومة الأردنية مستقبلاً، لا بل شكل نظام الحكم، حسب الخبير القانوني المحامي عمر عطعوط.
مفهوم تماماً أن رواية الرفاعي أوضح في الشرح والتفصيل من رواية الحكومة التي تبنتها وزيرة الشؤون القانونية المحامية النشطة والبرلمانية المعروفة وفاء بني مصطفى، فالعالمون ببواطن الأمور يعرفون مسبقاً بأن الشخصيات القريبة جداً من المؤسسات المرجعية لديها سعة اطلاع، لا بل معلومات أكثر من الطاقم الوزاري في الحكومة، مع أن الوزيرة بني مصطفى اجتهدت وهي تظهر على شاشة التلفزيون محاولة تقليب صفحات الدستور ونصوصه على أمل الرد على العبارات المتشنجة والتي تزاحمت بين بعض أوساط البرلمان والسياسة تحت عنوان سحب الصلاحيات من السلطة التنفيذية بموجب التعديلات الدستورية الأخيرة.
هنا قالها في ندوة خاصة نظمها مركز حماية وحريات الصحافيين، دون مراوغات سياسية وعلى أساس شرح خلفية ما يرى مراقبون أنها «مقايضة» محتملة بين «حصر بعض الصلاحيات الأساسية» كضمانة في حال تطورالأمور في اتجاه تشكيل حكومات برلمانية أو حزبية مستقبلاً. الانطباع بعد مرافعة الرفاعي يشير إلى هدفين «احتياطيين»على مستوى الدولة العميقة وراء تشكيل مجلس الأمن الوطني المقترح، وهما: أولاً، توفير بدائل أمام رأس الدولة لتجنب التأزيم وفرض الأحكام العرفية في حال الاختلاف مع حكومات الواقع المستقبلي؛ بمعنى توفير مخرج استراتيجي في حال حصول خلاف مستقبلاً على قضية أساسية بين حكومة منتخبة أو حزبية، وبين القصر الملكي.
وثانياً، إبطال أي قرار تتخذه الحكومة أي حكومة، مستقبلاً، من النوع الذي يمس المصالح الاستراتيجية والسيادية العليا للدولة. وبناء عليه، ثمة آلية دستورية اليوم تتيح للقيادة الأردنية ولمركز القرار احتياطياً استراتيجياً من الصلاحيات في المسائل والقضايا الأمنية الداخلية والخارجية، وأيضاً في المسار المتعلق بالسياسة الخارجية للدولة، حيث جسم دستوري جديد يتولى إبطال أي تحرشات حكومية بملفات سيادية مستقبلاً، ويتولى فرملة أي اتجاهات لها علاقة بالتأثير على ملف سيادية.
بمعنى سياسي مباشر، تحترز «الدولة العميقة» مسبقاً في مقايضة مدروسة على ملفاتها وصلاحياتها بعيداً عن أي مفاجآت يمكن بروزها في حال التصاعد في برنامج الحكومات الحزبية مستقبلاً.
أصغت «القدس العربي» لشرح مختصر من الرفاعي شخصياً، يشير إلى أنه «فهم من الحكومة» بأن مجلس الأمن الوطني المقترح ليس سلطة موازية أو أخرى، إنما سيكون موجوداً في حالات طارئة تستدعي التدخل لحماية مصالح المواطن بدلاً من اللجوء لخيارات دستورية قاسية أكثر. يميل الرفاعي أيضاً للرأي القائل بأن الهدف الأبعد حماية «درب التحديث» الذي بدأ الآن، وتحصينه بخطوات دستورية مبكرة.
تبدو هنا شروح الرفاعي صلبة ومتماسكة، لا بل تقدم نظرية جديدة لشرح وتفسير ملف التعديلات الدستورية الأخيرة التي أغرقت المناخ السياسي الوطني بالتكهنات والتجاذبات وبصرف النظر عن القناعة بالرواية التي قدمها على أساس توفير ضمانات، لئلا تنزلق البلاد مستقبلاً نحو مربعات سلبية في حال اللجوء لخيار الحكومات البرلمانية أو الحزبية، وهو خيار يتوقع أن يرضي الرأي العام على أساس أن القصر الملكي هو الملاذ في مسألة الضمانات. لكن شروحات الرفاعي لا تقدم حصيلة وافرة من المعطيات، والمعلومات تجيب عن الأسئلة العالقة التي تطرحها تعديلات وصياغات من هذا النوع تطال حصرياً صلاحيات الحكومات المستقبلية.
تلك الصلاحيات أصبحت منزوعة الدسم في القضايا الملحة، ويظهر المشهد وكأن الدولة الأردنية تتجه نحو وثيقة تحديث المنظومة وتصعيد دور الأحزاب في الحياة الإدارية والسياسية مستقبلاً مقابل جملة شرطية اليوم تتمثل بالسحب ونزع صلاحيات لها علاقة بملفات سيادية، سواء عبر مجلس الأمن الوطني الجديد المقترح أو عبر التأثير بصلاحيات التنسيب لمجلس الوزراء ببعض المواقع المهمة والمفصلية في بقية السلطات، مثل رئاسة المجلس القضائي، ومثل وظيفة المفتي العام للأردن.
تبدو المسألة هنا وفي ظل تلك المعطيات والشروح، أقرب إلى مقايضة سياسية لتلك التكتلات الحزبية التي تم الإعلان عبر وثيقة تحديث المنظومة عن فترتها الذهبية، ووضعت بين يديها فجأة عبر تشريعات وتعديلات على قانوني الأحزاب والانتخابات مساحات واسعة وحصصاً مخصصة من مقاعد البرلمان، بمعنى التأثير الأكبر في السلطة التشريعية مستقبلاً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى