الأردن يتجه للعمل من «داخل صفقة القرن» على أمل تجنب «صفعتها» ولأول مرة: عودة ميمونة لنغمة «نقبل ما يقبله الفلسطيني»
تصريح مثير لفيصل الفايز وتلاقح آراء يشمل المصري والمجالي
عمان- «القدس العربي»: قد يكون تماماً «أول تصريح» لركن بارز في مؤسسة القرار الأردنية يتعامل بـ «واقعية» مع مشروع صفقة القرن وعبر نافذة إعلامية تركية هذه المرة، والأهم بدون «التزام مألوف» بالنص الذي درج على ترديده وزير الخارجية أيمن الصفدي والقائل بأن بلاده «لا تعرف شيئاً» عن «صفقة القرن» ولم تطرح عليها أي أفكار.
رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز المحسوب تماماً على نخبة القصر وصاحب المواقف الملتزمة دوماً بالنص المرجعي يقترح، وعبر وكالة الأناضول التركية، بأن بلاده في كل مسألة وملف السلام «تقبل ما تقبله الشرعية الفلسطينية».
قبل أيام فقط وفي اجتماعات «سيادية ومغلقة» كان الإرشاد المركزي في الدولة الأردنية العميقة يتحدث عن «رفض» أي مقترحات أمريكية «تمس» بالمصالح الأردنية أو تؤثر عليها. وقبل أسابيع أعلن رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز أن بلاده تواجه أزمة مالية واقتصادية وضغوطاً لأسباب «سياسية وإقليمية». طوال الوقت، وخلف الستارة، كان لدى الأردن تحفظ رئيسي على القيادة الفلسطينية المتمثلة بالرئيس محمود عباس لا يتطرق لموقفه تأييداً أو رفضاً لما يسمى بصفقة القرن بقدر ما يتعلق بإصراره على «عدم التحدث مع الأمريكيين».
يمكن ببساطة الاستنتاج اليوم أن مركز القرار الأردني «يعرف أكثر» عن صفقة السلام التي يقترحها الرئيس دونالد ترامب، المؤجلة لعدة مرات والتي يرى سياسي مخضرم من وزن طاهر المصري أن انتظارها أصلاً بلا طائل لأنها «تنجز في الواقع وعلى الأرض».
سبب الاستنتاج أن زيارات الملك عبد الله الثاني الأخيرة لواشنطن ونيويورك، في مرتين على الأقل، تضمنت وخلال أقل من ستة أسابيع «تفاعلات مباشرة» مع تقدير وموقف المؤسسة الأمريكية ومع ما يفكر به الرئيس ترامب، الذي وصف أردنياً وبتلميح ملكي بأنه «رجل يمكن التأثير فيه في حال التحدث معه بصراحة».
بمعنى آخر، لا يستطيع وزير الخارجية الصفدي اليوم القول علناً إن بلاده «لا تزال لا تعرف شيئاً عن صفقة القرن»، فالمعلومات والمعطيات تسربت إلى حد كبير ومن عدة مصادر، والتقديرات كذلك، حتى لو لم يقدم الأمريكيون قصداً أو تغافلاً موقفهم عبر القنوات الرسمية، وهو ما أشار إليه الوزير الصفدي على هامش نقاش سريع في بعض القضايا سابقاً. لذلك حصرياً، يحتاج تصريح الرئيس الفايز عن «المملكة التي تقبل ما يقبله الفلسطيني» رداً على سؤال مباشر عن صفقة القرن، إلى وقفة تأملية مختلفة، خصوصاً وأنه التصريح الأول الذي يحمل هذا المضمون ويصدر عن شخصية أردنية رسمية في قمة هيكل القرار لديها بالتأكيد قراءات ومعلومات.
صعب اليوم القول إن تصريح رئيس مجلس الملك في الأردن يصدر من «فراغ معلوماتي» أو ينطلق من الإطار العمومي المعتاد، حيث قبول المملكة لما يقبله الفلسطيني قاعدة عمل دائمة وقديمة. ذلك لأن الفايز كان قبل أسابيع قد حذر نظيره المخضرم طاهر المصري من إطلاق تصريحات «تقلق المجتمع» عندما تخصص الأخير، ولأكثر من مرة، في التحذير من أن صفقة القرن المزعومة تستهدف «الأردن» وليس «فلسطين المحتلة».
الفايز حاول تقديم نصيحة قبل أسابيع للمصري الذي يتصور بأن واجبه وواجب كل من هو في موقعه التحدث للناس عن مخاطر ما يسمى بصفقة القرن.
طبعاً، حصل ذلك قبل أن يطرح رئيس الوزراء الأسبق الخبير الدكتور عبد السلام المجالي، وعبر «القدس العربي» مباشرة، سؤاله المثير:.. «من قال إن صفقة القرن كلها شر أو خير؟». بكل حال، مثل هذه التلاقحات في الرأي والتقدير السياسي بين النخب الأردنية الأبرز تنعش الآمال في أن المؤسسة الأردنية لديها الآن «معلومات وتقدير موقف»، وإن الحالة لم تعد تحتمل «التكهن» وإبلاغ القنوات الرسمية بما يجول في ذهن الرئيس ترامب الذي يترقب الأردنيون خطوته المقبلة.
ما يوحي به ضمنياً تصريح الفايز للأناضول التركية، قبل يومين من مشاركة مفترضة في قمة البوسفور، أن الأردن أعاد «تموقع» موقفه وموقعه من احتمالات وسيناريوهات صفقة القرن، على حد تعبير ترامب وطاقمه، و«صفعة القرن» على حد تعبير المصري والرئيس عباس.
«التمنع» السياسي ولهجة «الرفض» مطلوبان بقوة هنا في إطار إدارة أكثر عمقاً وحكمة من قبل غرفة القرار الأردنية. والهدف دوماً في مثل هذه الحالات «تحسين شروط التفاوض» أو «احتواء وتخفيف الآثار السلبية» بالتوازي مع التعامل مع «الواقع».
وبلغة أخرى، يعني ذلك – وهذا ما قد يوحي به تصريح الفايز- أن الأردن يتجه لإدارة مصالحه من «داخل صفقة القرن» على أمل تجنب «صفعتها» بدلاً من الاشتباك والصدام والتحدي، خصوصاً في هذه الأيام الصعبة والمعقدة.