الأردن يغازل «ترويكا» الحكم العراقي: واشنطن تدعم التقارب مع «مؤسسة الرئاسة» وطهران تعيق «المصالح»
حتى في التصنيف الدبلوماسي الأردني، ميزان القوى في التوليفة التي تحكم في العراق يعتبر الرئيس العراقي برهم صالح أكبر الممثلين للجناح الأمريكي في الترويكا العراقية التي بدأت تلفت الأنظار على أساس وجود ثلاثة أجنحة، يجلس في الصف الأول منها اللوبي الإيراني، وفي الثاني الحليف الأمريكي، وفي الثالث القوى المؤثرة في البرلمان باسم التيار الصدري والشيعة العرب. تلك الحيثيات وردت على الأرجح في تشخيص تقرير فني تضمن قراءات للسفير الأردني في بغداد الدكتور منتصر العقلة، على هامش استقبال الرئيس العراقي برهم صالح، في وقت سابق قبل أسابيع عدة في عمان، وقبل أن تسجل القيادة الأردنية أنها الأولى على مستوى الرجل الأول، التي تزور العراق في رسالة واضحة الملامح سياسياً تستهدف – بعد المجاملات وبحث الملفات والقضايا الثنائية – تأهيل الرئيس العراقي أكثر للانضمام إلى نادي الرؤساء العرب.
وفي كل حال، تبدو العلاقات الأردنية العراقية بعد تتويجها بزيارة الملك عبد الله الثاني أمس الإثنين ثم استقباله بصفة رسمية في مطار بغداد الدولي، متجهة نحو آفاق جديدة تماماً بما ينطوي عليه المشهد من عزف أردني محتمل على أوتار توازنات القوى المؤثرة في عمق بغداد. المقربون من الرئيس العراقي يشيرون مسبقاً إلى أن زيارته الأخيرة لعمان كانت حماسية.
ورغم أن من يحتل منصب الرئيس في العراق أضعف حلقة ضمن تقاسم المحور والنفوذ داخلياً، إلا أن الأردني سمع من الرئيس صالح تحديداً طموحات شخصية تحت عنوان تفعيل مؤسسة الرئاسة العراقية وإبعادها عن التناقضات الداخلية قدر الإمكان وتمكينها من اللعب توافقياً بالتوازي مع التقارب حسب ما تيسر من النظام الرسمي العربي.
تلك مهمة وجدت عمان أنها يمكن أن تدعمها وتساندها، في الوقت الذي استقبلت فيه بغداد قبل الزيارة الملكية رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز، والذي عاد إلى بلاده محملاً بتوقيع 15 اتفاقية جديدة.
ولوحظ بوضوح أن اللوبي الإيراني ابتكر طريقته من تحت قبة برلمان العراق لتذكير الأردنيين بأن مصالحهم، بعيداً عن السياسة والإعلام وفي السياق التنفيذي، تتطلب خطوات أكبر منه في الطرق على الباب الإيراني. حصل ذلك عندما وجه أحد وزراء الحكومة الأردنية خطاباً بعد زيارة الرزاز لبغداد يطالب فيه بتحريك ملف له علاقة بمليار دولار على الأقل تمثل حقوقاً لقطاعات أردنية على الوزارات العراقية، كانت عالقة طوال سنوات ما بعد الرئيسي العراقي الراحل صدام حسين.
الرد داخل الكتل الموالية لطهران في برلمان العراق كان قاسياً ومختصراً ويتحدث عن حقوق مالية للشعب العراقي قيمتها خمسة مليارات دولار على الأقل عالقة في البنك المركزي الأردني. اللوبي الإيراني هنا قالها وأعلنها بوضوح: «أعيدوا لنا ملياراتنا الخمسة واخصموا ملياركم».
طبعاً، هذا سياق تعجيزي، والهدف منه مضايقة الأردن ولفت نظره إلى أنه لا يستطيع تجاهل طهران واللعب فقط مع اللوبي الأمريكي في العراق، خصوصاً أن تلك المليارات الخمسة يقول المناهضون لعمان في بغداد إنها ودائع لأفراد من عائلة الرئيس العراقي الراحل ومقربين منه سرقت في العهد الماضي، بينما الرواية الأردنية التي سمعتها «القدس العربي» عدة مرات من مسؤولين في البنك المركزي الأردني تتحدث عن أرقام ووقائع غير صحيحة.
النظام المالي والمصرفي الأردني يتحدث عن أموال أودعت باسم العراقيين فعلاً في العام الماضي، لكنها خضعت لقرارات الأمم المتحدة ودخلت في نظام العقوبات على العراق، وبالتالي ليست في ولاية البنك المركزي الأردني أصلاً.
وفي كل حال، يفهم الأردنيون مسبقاً أن الخطوة التالية التي ينبغي تفعيلها لإصلاح الموقف برمته مع الجانب العراقي قد تبدأ من عند إعادة السفير الأردني إلى طهران، وهي خطوة سيادية وأمنية لا يريد الأردن دفع ثمنها مبكراً وبصورة مجانية. ويمكن في الأثناء رصد تداعيات مثل هذا الحوار خلف الستارة على أكثر من صعيد، فرئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق الدكتور جواد العناني، ووزير الأوقاف الحالي الدكتور عبد الناصر أبو البصل، شوهدا في عمق المشاركة بنشاط له علاقة بالسفارة الإيرانية في عمان.
في المقابل، أقام نشطاء حزب البعث ثلاث مرات على الأقل نشاطات في ثلاث محافظات أردنية لم تمنع ولم تقمع تحت لافتة إحياء ذكرى إعدام الرئيس الراحل صدام حسين.
يمشي الأردن بين الألغام تماماً عندما يتعلق الأمر بالانفتاح على العراق، ومصالحه الاقتصادية قد تضغط عليه وتدفعه لتنازلات في المسار الأمني والسياسي، لأن القناعة ترسخت بأن زمن المساعدات الخليجية انتهى، وبأن الحلقة الحيوية في التعاطي مع الأزمة المالية تتطلب اليوم وقبل أي اعتبار آخر الدخول للسوق العراقي والسوري، حيث بوابتان قال المخضرم عبد الكريم الكباريتي علناً ومرات عدة أنهما في الحضن الإيراني. لكن اللقاء على مستوى القمة، وتحت عنوان دعم وإسناد الرئيس برهم صالح بزيارة ملكية رفيعة المستوى، أعقب اللقاء مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وقد يكون اللقاء الثنائي الجديد مرتبطاً بمشاورات على مستوى الزعماء لها علاقة بالتحديات المقبلة التي يفرضها الإيقاع الأمريكي.