الانتخابات في الأردن: هجمة «الحشوات»
في تجربة انتخابية سابقة خططت سلطة القرار لضمان أكبر عدد ممكن من المرشحين بهدف رفع نسبة التصويت.
عبقرية السطو على إرادة الناخب الأردني الحرة انشغلت هنا بابتكار نسبة من المقاعد على أساس القوائم الانتخابية.
عبقرية التزوير الشعبي لكل شيء بالانتخابات بالمقابل انتهت بما سمي وقتها بـ«الحشوات».
توسعت فجأة مهنة الحشوة في ذلك الموسم بعدما أصبحت حرفة تضم طبقة من مئات المرشحين للانتخابات الذين يعرفون مسبقا أن وظيفتهم ايقاعية وأنهم ليسوا مرشحين حقيقيين في كل الأحوال وأن المطلوب منهم تطبيق الشرط القانوني الذي يتيح لرمز القائمة أو ممولها الرئيسي الإفلات من الالتزام القانوني وتقديم نفسه كمرشح وطني.
لا وطنية في المسألة إطلاقا وعدد من قبلوا تأدية وظيفة الحشوة من مرشحين بلا فرص لكنهم يحصلون على امتيازات متعددة من بينها الظهور أمام المجتمع بالحد الأدنى بلغ عدة مئات.
آنذاك تسلى الأردنيون طوال الوقت بالحشوات واستعراضاتهم ووجودهم إلى جانب الزعيم والرمز المرشح في الصور والإعلانات.
متوقع تماما أن بعض الحشوات حصلوا على مزايا مالية مقابل تأدية الدور.
ومتوقع أيضا أن بعضهم الآخر قبل وظيفة التحول إلى حطب في نار جذب الأصوات حتى يضمن الممول جمع عدد أكبر من أصوات العائلات وبعض الحشوات.
بكل حال انتهت تلك التجربة بتغيير القانون وتوفير مادة دسمة في أوساط النخب والجمهور لإطلاق النكتة السياسية والاجتماعية وظهرت عشرات النكات بعنوان الحشوات خصوصا بعدما أعلن بعض من قبلوا الترشيح بصفة الحشوة تعرضهم للظلم والاضطهاد.
ما يدفعني لاستدعاء هذا المشهد هو ظاهرتان لافتتان في الساحة الأردنية المحلية هذه الأيام.
في الظاهرة الأولى احتشاد غير مسبوق بالحشوات وفي كل المواقع حتى عندما يتعلق الأمر بالحراك والمعارضة ثمة حشوات غير جادة تظهر في زوايا الكاميرا أو تحاول اختطاف الميكرفون لأغراض المناكفة وتوزيع الابتسامات وتقمص أدوار تمثيل الشعب والناس والوطن.
لا يختلف الأمر عندما يتعلق بتيار المبالغة في الولاء أو العبث في مفردة الانتماء فالحشوات الموالية تلك لا تسمن ولا تغني من جوع لكنها تتقدم الصفوف وتملأ الدنيا ضجيجا بين الحين والآخر في محاولة محمومة للظهور والابتزاز وأحيانا مدفوعة لتشتيت المشهد أو تقمص حالة ولاء مسموم من جهة مؤسسات رسمية.
الحشوات تتكاثر كالفطر في الحالة الداخلية الأردنية فتحتاج للمزيد من النفقات والعلف السياسي وتحتكر بعض الأضواء وتطلق باسم الدولة أو المعارضة أو المواطن أو الوطن سحبا من السموم والرسائل غير المنهجية والسقيمة والبائسة
ثمة حشوات في كل زوايا المشهد اليوم.
حشوة في السياسة وأخرى في الوزارة والوظيفة العامة وثالثة في الإعلام والصحافة ورابعة في النقابات المهنية وخامسة في بعض الأحزاب من اليمين إلى اليسار.
الحشوات تتكاثر كالفطر في الحالة الداخلية الأردنية فتحتاج للمزيد من النفقات والعلف السياسي وتحتكر بعض الأضواء وتطلق باسم الدولة أو المعارضة أو المواطن أو الوطن سحبا من السموم والرسائل غير المنهجية والسقيمة والبائسة أو التي تنتمي إلى عائلة غير منتجة ولا معنى لها وخالية تماما من الدسم.
نظام الحشوة في العبقرية الانتخابية الرسمية تم اسقاطه على غالبية الاتجاهات ففي بعض الوظائف العليا حشوات وأشخاص لا تعرف ماذا يفعلون بصورة محددة ولماذا وجدوا أصلا في مناصبهم.
ووسط زحمة الإعلام الرسمي حشوات تحتكر الظهور وتزيد من فعالية تلك الفيله التي تطلق على حقل الجرار.
وفي الحراك الشعبي حشوات لا تقول شيئا محددا او له قيمة بل تكثر من الصراخ والهتاف والشتائم وللجميع وبدون استثناء وفي غالبية الحالات بدون تقديم جملة واحدة مفيدة أو برنامج عمل بديل وحتى بدون تقديم فكرة واحدة مترابطة تصلح للإنتاج بدلا من الاستهلاك.
في بعض المؤسسات والوزارات ايضا حشوات تحت عنوان المحاصصة البغيضة تكثر من الهذر والكلام عن برامج ليست موجودة او عن مشاريع لا يمكن لمسها او تطرح افكارا من النوع الذي ينزلق بالعادة ولا يمكن الامساك به شكلا او مضمونا.
في العمل البلدي والخدماتي حشوات أيضا تكثر من الحديث عن مشاريع لا تولد وتعيد صياغة الطرق نفسها بحفرها خمس مرات وتكرس الارتجال والعشوائية وأزمة الأدوات.
أما المستجد الثاني الأكثر خطورة فيتمثل في وجود حشوات في مؤسسات يفترض أنها خبيرة أو عميقة أو مهمة جدا أو استراتيجية أو من النوع الذي ينبغي أن لا يشهد أي نسبة من الخطأ.
الحشوات هنا أيضا موجودة ودورها المطلوب ثانوي في إطار تلك النظريات المعلبة في ذهن شخصيات محددة يبدو أنها تتذاكى على الدولة والناس معا وتعتقد أنها ستصل إلى ما تريده عبر التوسع في مهنة الحشوة ووظيفتها أو عبر ما يسميه أحد الأصدقاء ببث ونشر الفوضى الخلاقة.
تخدم الحشوات وظيفيا بين الحين والآخر.
لكن قوانين الفيزياء السياسية لا تضع الحشوات بدلا من الأدوات الحقيقية القادرة على العمل والتفكير.
الحشوات في الماضي كانت ديكورية لكنها أصبحت اليوم هي الجدار.. ذلك اختصار بدلالة للمشهد الداخلي الأردني اليوم.
الأردن وطن يعاني باختصار.. والحشوات هي السبب على الأرجح.