التاريخ يعيد نفسه في الأردن: الرئيس عبيدات في صدارة أول مؤسسة شعبية لـ «إسقاط» صفقة القرن ومؤتمر البحرين
بعد تصريح منقول «غامض» تم سحبه للصفدي… وبدون «الإخوان المسلمين»
قرار رئيس الوزراء الأردني الأسبق، أحمد عبيدات، قيادة الفعالية الأولى داخلياً ضد صفقة القرن ومؤتمر البحرين، له دلالاته التي لا يمكن إسقاطها من الحساب، خصوصاً وأن الرجل في طريقه لمسار موقفه التاريخي الذي حوله أصلاً إلى قطب معارض عندما رفض التصويت على اتفاقية وادي عربة فخرج من سلك «الدولة» وبقي من أهم رموز طبقة «رجال الدولة». عبيدات كان الشخصية الأبرز التي جلست على أول طاولة تعلن مساء الاثنين ولادة «الملتقى الوطني لإسقاط صفقة القرن ومؤتمر البحرين». التسمية لها دلالاتها، وهي تتحدث عن «إسقاط» وليس معارضة فقط.
طبعاً، الملتقى الجديد قد يكون الأول بدون الإخوان المسلمين وأقطابهم. وهو طبعاً الأول ضمن تدشين موسم عمل التجمع الوطني الأردني الذي أسسته مجموعة سياسيين ونشطاء، أهمهم عبيدات، وغادره المخضرم طاهر المصري مبكراً. وحفل المكان بطبيعة الحال برموز التيار القومي وبنخب النقابات المهنية وبقادة وأقطاب مجموعة عبيدات، وبينهم المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان الشيخ سالم الفلاحات.
أما غياب المصري عن طاولة الملتقى فمحاولة لتوجيه اللوم له على الانسحاب المبكر من جبهة عبيدات والفلاحات، رغم أنه أول من أعلن – في رسالة الانسحاب نفسها – بأن ورشة العمل في البحرين خطيرة وتسعى لاستبدال «الدولة الفلسطينية بالخبز» وبدون مقاربة تتحدث عن الحقوق السياسية.
لكن عبيدات قد يكون رجل الدولة الوحيد الذي يعلن عن حضوره في مؤسسة شعبية طازجة من هذا النوع وعشية الجدل المثار محلياً حول دلالات اضطرار الأردن للمشاركة في حفلة المنامة وتداعياتها. والأهم أن صفات وخبرات عبيدات كمدير سابق لجهاز المخابرات الأردني تؤهله للحكم على الاعتبارات في إشهار الملتقى الوطني لإسقاط صفقة القرن، رغم أن عشرات الملتقيات السابقة لم تسقط ولا بأي حال اتفاقية وادي عربة.
بكل حال، يجد عبيدات نفسه مضطراً إلى إعلان نفسه رمزاً وقائداً للحراك الجديد في الشارع الأردني ضد صفقة القرن. ذلك لا يعني عملياً إلا استنتاج محدد يقول بأن صفقة القرن دخلت، بمجسات المعارضة ونخبها، واقع المشهد الأردني ولا بد من الاستعداد لها.
وفي تزامن لافت للنظر، حتى إن لم يكن مقصوداً، يظهر الفلاحات وعبيدات ورفاقهما من أقطاب الحراك القومي والنقابي بعد ساعات فقط من تصريح غامض نقل عن وزير الخارجية، وسرعان ما سحب من المواقع الذي نشرته، وينقل عن وزير الخارجية أيمن الصفدي القول بأن الأردن سيشارك لكن بشروط في ترتيبات صفقة القرن.
وبصرف النظر عن صدقية التصريح المنقول أو عدمها، فوجود عبيدات تحت لافتة تحمل عبارة إسقاط صفقة القرن يعني بأن بلاده عملياً دخلت في الترتيبات، وهو ما يؤكده لرفاقه الشيخ سالم الفلاحات بكل الأحوال، لأن الفرصة لم تتح كثيراً للأردن كي يفكر بالتفاصيل والتأكيدات التي قيلت بالقصر الملكي لنخبة سياسيين ومثقفين ورجال تجارة، الأسبوع الماضي، كانت تتحدث عن «التواجد في الغرفة دون التفريط بالمبادئ».
طبعاً، يعتبر عبيدات خلال التحضيرات بأن التواجد أصلاً في الغرفة له كلفته. لكن يلاحظ بأن السلطات لم تحظر أي نشاط شعبي أو حزبي له علاقة بما يسمى «صفقة القرن»، وأن الإعلام الرسمي لا يتدخل في الاعتراضات الحادة على مؤتمر البحرين، في الوقت الذي اعتبر فيه عريف الحفل خلال إعلان الملتقى بأن المملكة الأردنية الهاشمية هي التي يستهدفها الخطر الآن، وليس فقط فلسطين المحتلة. لا أحد في عمان يمكنه التوثق من كيفية ووضعية التواجد الأردني في الغرفة.
لكن ولادة الملتقى الوطني لإسقاط صفقة القرن، رغم الإيمان بعدم وجود صفقة حقيقية ورقية تستوجب التوقيع، يعني بأن أقطاب المعارضة في الأردن بصدد مخاطبة الكتلة الديمغرافية الحرجة التي لم ولن تخاطبها السلطات حتى اللحظة. وهي كتلة الشارع الفلسطيني في المملكة الأردنية، حيث العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين في العالم ويحملون الجنسية الأردنية.
وحيث – وهذا الأهم والأخطر – لا توجد خطة محددة يمكن اشتمام تفصيلاتها داخل الحكومة للتعاطي مع مخيمات اللجوء الفلسطيني كورقة سياسية استراتيجية يمكن الاستثمار فيها حتى في المجال الحيوي لمسألة «المشاركة بشروط في صفقة القرن».
تجمع عبيدات هنا يستبق جميع الأطراف محلياً في امتلاك زمام المبادرة أولاً لتسويق تجمعه الجديد على أساس أهداف أسمى وأنبل وأهم بكثير من مناكفة السلطات من وزن إسقاط صفقة القرن.
وثانياً، على أساس اختيار أفضل تقنية ووسيلة لطرح الذات على الجمهور وأخذ زمام المبادرة في محاولة «التحريك الشعبي»، وهي خطوة قد لا تسمح بها تكتيكياً السلطات لاحقاً لجبهة عبيدات الوطنية، في الوقت الذي سبقت فيه مجموعته اليسار والإسلاميين في العزف على أوتار إسقاط ما يعرف الجميع أنه عصي على الإسقاط إلا عبر إرادة شعبية موحدة على ضفتي نهر الأردن.