الشيخ مراد العضايلة الأمين العام لأكبر أحزاب المعارضة الأردنية: يمكن أن نبدأ بعودة التكنوقراط “الوطني” ووقف “ضباع الشللية” و”عبث” الولاء الفردي المدفوع
جولة في عقل الحركة الإسلامية ومطبخها اليوم في الحالة الأردنية تبدو ضرورية على أكثر من صعيد.
تحاور المطبخ الإخواني الأردني مؤخرا مع ممثلين للحكومة وللدولة، استمع لملاحظات وأدلى بأخرى وقال كلمته في العديد من الملفات والقضايا المطروحة.
“القدس العربي” كانت متواجدة في عدة مناسبات قرر فيها قادة الحركة الإسلامية التحدث في الشأن العام.
والحوار التالي مسجل في السياق مع الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، الحزب الأكبر والأهم والأكثر جماهيرية في المملكة.
الشيخ مراد عضايلة يجيب على أسئلة “القدس العربي” ويشرح ما يفكر به الحزب والتيار الإسلامي في العديد من المعطيات بعد الاستناد إلى فكرة واحدة لمسناها من كل قادة الحركة الإسلامية، وهي تلك التي تتحدث عن ضرورة الاستدراك وطنيا والعودة للإصلاح السياسي.
وفي ما يلي نص الحوار:
*عندما تتحدثون عن خطوات حقيقية للإصلاح السياسي ما الذي تقصدونه بصورة محددة؟
** نقصد أنه آن الأوان للإصلاح السياسي الجدي والعميق والحقيقي والوقت فات على الوقوف عند التحدث عن الإصلاح فقط وما نقوله عن الانتقال من المستوى العملي فعلا بدون مراوغة حكومية أو مقاربات غير مقنعة وبهدف الاسترخاء العام ولما فيه مصلحة للوطن والمواطن وفيه مصلحة أيضا وهذا الأهم للنظام قبل الجميع وللدولة؟
*أكثرتم مؤخرا من الحديث عن مصلحة الدولة والنظام، ما هو المقصود؟
**نحن هنا ناصحون فقط وليس أكثر، نقرأ مثل غيرنا الواقع الموضوعي ليس على الصعيد الداخلي فحسب ولكن على الصعيد الإقليمي والدولي. ويمكنني القول ببساطة بأن شكل الدول الذي كنا نعرفه في الماضي يتغير اليوم وبأن الإقليم مضطرب جدا وبأن ما نبات عليه قد لا نستيقظ به والأهم أن لعب الدول الكبرى دوليا وإقليميا ثقيل جدا ولا يتعامل مع ثوابت ولا مع خطط أو مشاريع موضوعة أو حتى متوقعة.
وهذا وضع ديناميكي خطر في الجزء الاستراتيجي وأي غفلة عن قراءة هذا الواقع تحيلنا مجددا إلى سلسلة من الأوهام.
ولأن الوضع خطير وحساس فعلا في رأينا وحتى في رأي غيرنا نؤكد بأن المرحلة وبسبب صعوبتها تحتاج إلى أدوات مختلفة وعصرية ومنتجة في المعالجة. فأنت لا تستطيع مواجهة كل هذا الاضطراب الإقليمي وموازين القوى المتقلبة في المنطقة والإقليم بخططك وذهنيتك القديمة، ينبغي أن تتطور الأدوات وتوضع برامج معنية فقط بالمصلحة العليا للدولة وبمصلحة الشعب الأردني.
*هل تترجمون لنا ذلك وما علاقته بما تنصحون به بخصوص الإصلاح السياسي؟
**نعم … في ظل هذا الواقع من التحديات لا بد من مقاربات إبداعية وحلول للأزمات والمشكلات من خارج العلبة التقليدية، وتصورنا أن الجميع سيخسر بما في ذلك الدولة والنظام ونحن والناس إذا لم تقرأ هذه المفاصل بعناية وتتخذ الإجراءات المناسبة.
ومن هنا تبرز أهمية العودة إلى لغة عميقة وجدية هذه المرة في ملف الإصلاح السياسي تحديدا ونقولها بصراحة: النظام بحاجة إلى مقاربة إبداعية هنا ودولتنا لا تستطيع مواجهة عواصف الإقليم وسيناريوهات التقلب في الشرق الأوسط بدون تحصين الجبهة الداخلية وحتى عندما يتعلق الأمر بالإصلاح الاقتصادي والمالي لا بد من تأطيره بإصلاح سياسي يضع البرهان على المصداقية في الخطاب والإجراء ويؤسس فعلا لحالة إنتاجية.
في المقاربة الإسلامية يتحدث الإسلاميون والعضايلة أبرزهم، عن “صدق النوايا” ونقاء الإرادة وعن الالتزام في التطبيق.
وخلال عشاء خاص حضرته “القدس العربي” كان المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ عبد الحميد الذنيبات يعيد التذكير بالدعوة الوطنية الجريئة التي طلب فيها الملك شخصيا من الشباب بالضغط على البرلمان والحكومة في لقاء شهير في الجامعة الأردنية.
وفي اليوم التالي يتم اعتقال نشطاء حزبيين.
هذه مسألة لا تخص الحركة الإسلامية وحدها وفقا للشيخ العضايلة الذي يصر على أن المطلوب ليس فقط أفكار نقية وإيجابية وإصلاحية لكن إرادة سياسية لا تقبل اللبس ولا الغموض للتنفيذ الفعلي ومستويات من “الاستجابة” بيروقراطيا وعمليا من الترف القول اليوم بأن الوطن يستطيع احتمال المجازفة بها.
*هنا نسأل العضايلة مجددا، ما الذي تقترحونه من توصيات؟
**نستذكر معا تجربة عام 1989 عندما كان الوضع في البلاد حساسا من كل النواحي وكانت الحرب بين العراق وإيران تفرض إيقاعات مضطربة في ظل مؤشراتها.
عندها اتخذ الملك حسين رحمه الله قرارا باستئناف الحياة البرلمانية والتحول الديمقراطي كما سمي ونتج عن ذلك أهم مجلس نواب في تاريخ الأردن الحديث حمل على كتفيه مع القصر آنذاك المشهد والمسؤولية وتجاوز الملك به ومعه تحديات كانت صعبة ومعقدة ومن بينها لاحقا انتخابات شفافة ونزيهة، وعبرت البلاد بسلام وقتها رغم اتخاذ موقف في بدايات حرب الخليج الأولى في الاتجاه المعاكس لـ30 دولة على الأقل كان من بينها كل الدول الحليفة للأردن.
هذا درس في التحول الديمقراطي والإجرائي اللازم وخيار استراتيجي للقيادة بحماية الشارع، وهو درس له دلالات عميقة وينبغي أن يقرأ ونقول ينبغي لأن الظرف صعب ومعقد ولأن الأردن مستهدف برمته وبنظامه اليوم وبحكومته وليس بحركته الإسلامية فقط أو بشعبه.
*حتى اللحظة لم تقل لنا ما هي الإجراءات الإبداعية التي تقترحونها في ملف الإصلاح السياسي؟
** نتحدث عن انتخابات حقيقية ونزيهة، فقد جربت مرارا كل المنظومات المتعاكسة مع النزاهة ونتحدث عن التأسيس لشراكة حقيقية منتجة وطنيا.
وعن فتح صفحة جديدة في إطار مصالحة وطنية شاملة تجعل جميع الأردنيين مسؤولين عن مواجهة التحديات ونتحدث بالمقابل عن التخفيف من القبضة الأمنية والتركيز على حماية الأمن والاستقرار وليس على استهداف الرأي المعارض أو المستقل. وبالضرورة نتحدث عن حوار وطني فعال وحقيقي وشراكة متسعة وتعددية حزبية حقيقية.
ثمة خطوات يعرف الجميع أنها مطلوبة وتحتاج لإرادة سياسية فقط كما يعرف الجميع أن احتواء كل التجاذبات المحلية يحصل عبرها فقط وإنها تساهم في أهم ما ينبغي ان ننشده جميعا اليوم وهو تنفيس الاحتقان وتوفير مساحة من الاسترخاء للدولة والشعب أيضا.
نحن لا نقترح هنا بل نؤكد بأن إجراءات ذات صدقية عالية باتجاه الإصلاح ستدفع الجميع في البلاد للتنفس والاسترخاء قليلا.
ذلك مهم وأساسي في تقديري في هذه المرحلة.
“المخزن” المغربي
حديث الشيخ العضايلة هنا يدخل قسرا في بعض التفاصيل لكنه يستذكر ما فعله رئيس الوزراء الأسبق وصفي التل يوما ما في لحظة إقليمية وداخلية مضطربة، عندما زار مقر المخابرات العامة ثم مزق وأحرق الملفات والقيود الأمنية مؤذنا بمرحلة جديدة قبل ان يجد المواطن الأردني آنذاك نفسه أمام واقع وحدوي وموضوعي.
يشير العضايلة إلى ان النظام استعان برموز الضباط الأحرار الذين اتهموا بالتخطيط للانقلاب فوجدنا أحد هؤلاء قائدا للجيش وغيره مديرا لجهاز المخابرات وثالث وزيرا في الحكومة.
بالتالي يبقى السؤال: هل تأذت الدولة جراء ذلك أم ذهبت مع الشارع باتجاه التوحد وفتح صفحة جديدة قامت بتحصين الدولة والمؤسسات وخلال مرحلة إقليمية مضطربة فعلا كانت الأجندات تلتهم التفاصيل فيها؟
لا يخفي الشيخ العضايلة تمسكه بين الحين والآخر هو وبعض القيادات في الحركة الإسلامية باستذكار النموذج المغربي ويسأل “القدس العربي” عن ملاحظاتها حول الاسترخاء الذي حصل في المغرب بعد تجربة تداول السلطة في مرحلة الربيع العربي.
يسجل هنا العضايلة بأن المغرب يخلو من الإرهاب وحراكه الشعبي محدود عندما يحصل وأوضاعه العامة مستقرة ونسبة النمو الاقتصادي فيه تصل إلى 5 في المئة والأهم بعد تداول التيارات الحزبية بانتخابات نزيهة لسلطة على أساس حكومة أغلبية برلمانية وضع المخزن – يقصد القصر الملكي – رجلا على رجل واسترخت البلاد وتم احتواء مشكلات العباد.
لا يتحدث العضايلة عن تقليد مباشر أو اضطراري لما حصل في المغرب، لكنه يلفت النظر إلى أن المطلوب مقاربة ومعادلة إبداعية فعلا يمكن ان ينتج عنها في حالة الحوار العقلاني والتشاركي ميكانيزم لتجربة وطنية أردنية خاصة لا تنطوي على تقليد لكنها تنتهي بالاسترخاء المطلوب ويستفيد منها.
- لا نزال نتحدث في الإطار العام ونرغب بالاستزادة من مقترحاتكم بخصوص الحلول الإبداعية خصوصا وأنكم قابلتم مؤخرا وزير الداخلية وشخصيات أمنية وخضتم بالشأن العام؟
**مرة أخرى إذا حسنت النوايا وبرزت الرغبة الحقيقية في الإصلاح تصبح أي مقترحات بما فيها تلك التي نقدمها نحن أو غيرنا تفاصيل يمكن التوافق عليها وتطويرها وتعديلها.
على الأقل لا أعتقد بوجود خلاف على ضرورة إجراء انتخابات عامة نزيهة وأعتقد أن أحزابا وتيارات ليبرالية أو يسارية أو محافظة لا تختلف معنا على مثل هذا الأمر.
الحاجة ملحة أيضا لعودة التكنوقراط الوطني الشريف ولأن تتوقف ضباع الانتهازية السياسية التي تتجمع في إطار شللية يعرفها الجميع، عن نهش كل شخصية يسارية أو ليبرالية أو حتى محافظة حتى لا نقول إسلامية تحضر للإدارة العليا بنوايا إيجابية، لأن الاستمرار في السكوت على هذه الممارسات الشللية لم يعد خيارا بعد الآن.
- هل في الإمكان وضعنا بصورة الحوار الأخير الذي تم مع الحكومة في مكتب وزير الداخلية؟
**بصراحة وببساطة قلنا رأينا في الايقاعات العامة واستمعنا لملاحظات من قابلناهم علينا في الحركة الإسلامية، وتبادلنا الملاحظات وقلنا بصراحة ما يجول في خاطرنا وتطرقنا طبعا لكثير من التفاصيل. وأبلغنا السلطات والمسؤولين بأن الحلول الأمنية لم تعد تكفي وأن من غير المعقول الاستمرار في التركيز على معيار الولاء فقط لأن الولاء الفردي له سعر ويحتاج لأعلاف بين الحين والآخر ولا بد من الاستمرار في تمويله لكنه غير منتج بكل الأحوال.
نسعى بأمانة لحالة وطنية تشاركية لا مكانة فيها للولاء المدفوع بل للمسؤولية الوطنية والولاء الحقيقي الجذري فقد أثبتت التجربة في تقديرنا بأن القوى الأعنف في الموقف والخطاب ضد الدولة في الشارع اليوم. ولدينا عشرات الأمثلة والنماذج وبدون التطرق لتفاصيل يقودها أو تمثلها شرائح من أولاد الدولة والنظام وبالتالي يعرف صاحب القرار قبلنا كلفة ونتائج العمل على أساس الولاء الفردي، فقد تغيرت بوصلة الانحيازات هنا ولم تعد الدولة قادرة على ضمان ولاء أفراد لأن العملية مكلفة ماليا أولا ولأن الأفراد يوالون شخصا أو شلة وليس الدولة أو النظام في كل الأحوال وهذا وضع لا نقبله لا أخلاقيا ولا وطنيا.
*ما هو الوضع الأفضل في رأيكم؟
** ثمة معلبات من الإجراءات والقرارات أصبحت اليوم منتهية الصلاحية وهذا بالمناسبة لا نقر به نحن فقط فقد ثبت بالوجه القاطع مثلا بأن الاصرار على استهداف قادة العشائر الحقيقيين والأحزاب والنقابات ونخب التكنوقراط والطبقة السياسية لم يعد سبيلا ينطوي على حكمة أو إنتاجية.
ولم يعد سرا أن استبدال رموز المجتمع وأحيانا زعاماته ببسطاء القوم أو بأصحاب المصالح الانتهازية الصغيرة أيضا، لا يتميز بالحكمة لا بل يدفع القرار وتدفع الدولة اليوم ثمن وكلفة هذا العبث.
لدى الشيخ العضايلة قناعة عند التطرق لبعض التفاصيل أن الخوف الحقيقي على حكومة الرئيس عمر الرزاز لا يتسق مع عدم اتخاذ خطوات توفر الحماية لهذه الحكومة. ففي حراك المحافظات مثلا ضد الحكومة كان المتحركون بفعالية محسوبين على الولاء والدولة لأن مثل هذه المعطيات لا يمكن اخفاؤها في المجتمع الأردني، وإذا كانت مستويات القرار معنية بعبور المرحلة وحكومة الرزاز كان يمكن ببساطة المبادرة لضبط المحسوبين على معسكر السلطة من المتحرشين بالحكومة أو الذين يحاولون مضايقتها.
يوحي الأمر بأن جهات داخل القرار هي التي تسعى لإسقاط حكومة الرزاز وليس الشارع أو البرلمان أو الأحزاب أو التيار الإسلامي.
يعترض العضايلة أيضا على إفراغ الدولة من رموز الكفاءة وعلى حصول إقصاء بين الحين والآخر، ويمد يده مع التيار الإسلامي لوقفة وطنية حقيقية على أساس الصفاء والرغبة في تجاوز المرحلة الصعبة الحالية.