انتخابات الأردن… «ريما وعادتها القديمة»
الأغرب ذلك الاصرار العنيد على منع تطوير صيغة قانون الانتخاب أو تعديل الدستور لصالح تمثيل القوائم والأحزاب في وطن يموت بحره الميت ويصنف ضمن أفقر 10 دول في العالم بالعطش واقتصاده يواجه تحديات خطرة جدا
يستدعي النقاش خلف الستارة حول «تعديلات» على قانون الانتخاب الأردني كل «الذكريات الحزينة» عن ما جرى في الماضي من «عبث أو تزوير» أو «تلاعب» في نصوص ووقائع التمثيل البرلماني.
والسبب «هوس» باق ويتمدد ينظر بعداء للإصلاح السياسي ويعتبره «مقدمة» لتفكيك الدولة رغم أن مؤسسات الدولة وأذرعها «تتفكك» حاليا وتنشطر ويتراجع الأداء فيها أفقيا وليس عموديا ولأسباب بعضها «ذاتي الدفع» وبعضها الآخر اقليمي واقتصادي الطابع.
لا مجال ونقولها بصراحة هنا في عقل الدولة او ما تبقى منه لاختبار دور الاصلاح السياسي والانتخاب الحر في «احتواء ولم الطابق» المبعثر حاليا. لأن الطبقة التي تستفيد من «عدم لجم ولم الطابق» مستحكمة وتؤثر ولأن الذهن العام يخشى الجديد ويحذر من وصفات لها علاقة بالمهنية والولاء الوطني الحقيقي.
في كل مستويات القرار ثمة تحذير من خطوات إصلاح سياسي وإصرار على «تجربة وصفة البقالة القديمة» دون أدنى تجربة معاكسة وموازية توفر مساحة لعملية انتخابية نظيفة فعلا بالبعد التشريعي وعلى أساس ان «التمثيل الحر» ينقذ البلاد والعباد والدولة معا وبضربة نزاهة واحدة.
المخاوف والهواجس يمكن ببساطة تشكيلها وتأليفها وحياكتها عندما يخشى القرار المغامرة بالاصلاح السياسي في الوقت الذي يتراكم فيه دعاة النفور من أي انتخابات حرة في مختلف طبقات البيروقراط والسلطة مع نخبة من ضاربي الدف وأصحاب المصالح الذين «لا أمل لهم» ولا لامتيازاتهم في حال وجود «برلمان مؤسسي وقوي وصلب».
ما يرشح لنا ونسمعه من إنحيازات صلبة لفكرة «بقاء الأمر كما هو» بخصوص اللعبة الانتخابية مؤسف ومخجل في بلد يواجه تحديات وجودية ومفصلية هذه الايام ويستهدف مصالحه ومصالح مؤسساته خصوم الخارج وهم كثر والعبثيون من أولاده وهم أكثر.
تماما ينطبق المثل الشعبي.. «الحاجة ريما عادت لعادتها القديمة» على الحوارات المؤسفة التي تجري حاليا حيث تتكرر نفس الإسطوانات عن «إستقرار وهمي» في عملية التشريع والرقابة صنعه فقط رموز «الولاء الضار» المجربين في إفساد «كل شيء».
وعن مخاوف أن تقع البلاد في حضن الإخوان المسلمين او التيار المدني أو حتى في الحضن الإسرائيلي اذا ما تقرر الاستعداد للعبة على اساس قواعد لعب نظيفة مع أن السلطة التي تحذر من اصلاحات سياسية هي نفسها التي وافقت على تسليم مصير ملف استراتيجي مثل الطاقة للعدو.
غريب جدا أن يستمر هذا المنطق بالصمود حتى الوقت الراهن ويجد من يرقصون له خلف الستارة من قوى الأمر الواقع في بلد يكاد دينه الخارجي يصل إلى 50 مليار دولار ويحتفظ شعبه بنحو 40 مليار دينار داخليا «تحت البلاطة» وسط الخشية من إخراج ولو ربعها من المحفظة المصرفية.
غريب جدا أن يصر بعض «علية القوم» على وصفات البقالة القديمة في بلد يعيش نصف شعبه وكأنه في مطار وصالة ترانزيت ويكتوي النصف الثاني بنار مرض المحاصصة البغيض الذي «يضلل الجميع» ولا يستفيد منه اي مواطن سواء من أهل الدار أو من «الضيوف».
الأغرب ذلك الاصرار العنيد على منع تطوير صيغة قانون الانتخاب اوتعديل الدستور لصالح تمثيل القوائم والاحزاب في وطن يموت بحره الميت ويصنف ضمن أفقر 10 دول في العالم بالعطش واقتصاده يواجه تحديات خطرة جدا ويتربص به وبدولته ومشروعه عدو لا يرحم بالجوار بالتوازي مع التخطيط بمعيته لسكة حديد ونقل مياه وشراء غاز.
كان يمكن لجرعة «إصلاحية» واحدة فقط عبر قانون الانتخاب أن تؤسس لمرحلة جديدة ولصفحة مختلفة بدلا من التلاعب بالعبارات التي لا معنى لها من»النهضة» إلى «المصفوفات» والعقد الاجتماعي الجديد.
لا يحتاج المشهد لأكثر من قرار جريء وبدون مخاوف يمنح فرصة لتجربة واحدة بمسطرة الانتخابات النزيهة بعد تجريب كل ما عكسها وعدة مرات وفي مواسم متعددة كانت غرف العمليات فيها تدير المسألة بإرتجال وعشوائية وحتى دون «خطة محكمة».
لا تحتاج الأزمة المستعصية في الداخل الأردني اليوم لأكثر من تعديلات معقولة وإجراءات نزيهة وتوقف الاجتهاد الأمني الذي يركب السياسي ومؤسسة برلمانية قوية تتطلع للمستقبل وتفهم أن واجبها لا يشمل فتح صفحات الماضي وتحتوي وتناضل للخدمة العامة بما يحافظ على ما تبقى من رصيد للقرار في الوجدان الشعبي.
ثبت بالوجه القاطع اليوم أن التحالف بين «المسؤول الرديء» والمرشح الأردأ ثم البرلماني الضعيف والإعلامي «المتكسب» قاد البلاد والعباد لزاوية ضيقة جدا من إنطفاء الطاقة وتكلس المفاصل وبلادة الخلايا الوسيطة والاسترسال الجماعي في حفلة «وناسة» ديمقراطية أقصت طبقة رجال الدولة الحقيقيين وصنعت زعامات «شرهة» للسلطة والمال بلا أفق ولا ثقافة ولا وعي ولا تجربة وفي الكثير من الأحيان مع «ادعاءات متشدقة» بالجملة من الوطنية والولاء الضار.
أصبح التخلص من تلك الحالات اليوم أقرب للمهمة المستحيلة بسبب تعقيدات يعرفها الجميع وفي بعض الحالات «توحدت المصادر» أو «ثار المخبرون» و هي تعبيرات يعرفها جيدا خبراء المجال الأمني ويعلمون بكلفتها الباهظة على المجتمع والدولة بعد ممارسات حصلت في الماضي ونتمنى أن لا تحصل مع الطاقم الأمني الموثوق الجديد.