بومبيو يبدأ من عمان استراتيجية «عزل طهران»: مقترحات بـ «قوات عربية» بدل الأمريكية في سوريا و«العمق الأردني» مصرّ على «التهديد الإيراني»
يبدو وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي ميالاً، ولأسباب يمكن الاستدلال عليها، للاحتفاظ بعبارته الشهيرة التي يرفض فيها تدخل إيران في شؤون الدول العربية المجاورة لها، حتى على هامش استقباله لنظيره وزير الخارجية الأمريكي مارك بومبيو.
ولأسباب يمكن بطبيعة الحال استنتاجها أو قراءتها بين الأسطر، بدأ الوزير بومبيو أمس الثلاثاء جولته الجديدة والمثيرة في المنطقة، والتي تشمل ثماني دول، من العاصمة الأردنية عمان.
ليس خافياً على المراقبين هنا أن الصفدي تباحث مع بومبيو أو على الأقل وضع بصورة ما يفكر به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد عودته الأسبوع الماضي مباشرة من لقاء تفاهمي وحيوي في موسكو.
في كل حال، يزور بومبيو العواصم العربية الحليفة لواشنطن ويستثني إسرائيل التي تبقى الحاضر الغائب، ولا يخطط لأي تفاعل مع السلطة الفلسطينية التي ترفض التواصل مع الإدارة الأمريكية، ويبدأ بالأردن.
في انتظار وصول المساعدات المالية والاستمرار في ضمان سعر الدينار
زيارة الوزير الأمريكي تحت لافتة هندسة وشرح وتفصيل الانسحاب العسكري الأمريكي من سوريا بالتوازي مع لافتة أخرى تناسب مقاس العهد الجديد في السعودية بعنوان التصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة وعزله قدر الإمكان.
وهما لافتتان ترسمان مسبقاً سيناريو سقف التوجيهات والتوجهات الأمريكية الجديدة التي ينبغي أن تسمع العواصم الصديقة والحليفة، وفي هذه المرحلة تحديداً وبعيداً عن منطوق الحصار السعودي الإماراتي على دولة قطر التي تشملها جولة الوزير بومبيو بطبيعة الحال.
لافت في السياق أن بومبيو في عمان في الوقت نفسه الذي بدأت فيه زيارة رسمية لوفد وزاري أردني بقيادة رئيس الحكومة الدكتور عمر الرزاز إلى واشنطن يتخللها البحث في منسوب التضامن المالي الأمريكي مع أزمة الخزينة الأردنية عبر لقاء يفترض أن يجمع الرزاز بوزير الخزانة الأمريكية.
زمنياً، تدخل المساعدات الأمريكية المالية المنتظرة دون ضمانات بزيادتها، كما طلبت عمان دائرة الاستحقاق مع نهاية الشهر المقبل من العام 2019، والبنك المركزي الأردني مستعد لاستقبال المساعدات الأمريكية من ضمن الخطة المقررة سابقاً ولمدة خمس سنوات، والتي ينظر لها الأردنيون باعتبارها خطوة أساسية لاستمرار ضمان الولايات المتحدة لسعر الدينار الأردني.
بالتزامن، يبدأ بومبيو وقفته على المحطة الأردنية، والأجندة التي يحملها لها علاقة بسقف محدد سياسياً مسبقاً ويرتبط بالملف السوري.
ووفقاً لما رشح مبكراً من معطيات، فالخارجية الأمريكية بصدد البحث مع الأردن وغيره في إمكانية استبدال قواتها الأمريكية، خصوصاً تلك التي كانت متواجدة على الحدود الشرقية بقوات عربية، وهو خيار ترفضه مؤسسات العمق الأردنية وتعتبره مجازفة كبرى يمكن أن تبرر بقاء مجموعات إرهابية تتبع تنظيمات سنية أو ميلشيات طائفية شيعية مستقبلاً.
يفترض أن يعرض بومبيو مقترحاته بالتوازي مع ضوء أخضر من إدارته يسمح بتفاعل المجموعة العربية مع البرنامج الذي يريد إعادة سوريا إلى صفوف الجامعة العربية، وهو خيار يبدو أن بومبيو اهتم به فجأة وهو يتحدث عن استراتيجية لعزل إيران وإبعادها قدر الإمكان عن الداخل السوري.
تتحمس دول مثل الإمارات والكويت لمقترحات محددة لها علاقة بعودة ملء شاغر المقعد السوري في مجلس الجامعة العربية، ويبدو أن السعودية ليست بعيدة عن السياق نفسه، خصوصاً وأن وزارة الخارجية الأمريكية تظهر بالتناغم اهتماماً ملموساً بمعالجة ما تسميه الأزمة الداخلية في منظومة النادي الخليجي عبر الدعوة إلى تفعيل مصالحة.
تلك أيضاً مقترحات لها علاقة بالاستراتيجية الأمريكية الجديدة والمدعومة بقوة من السعودية وإسرائيل تحت عنوان عزل إيران في المنطقة وقص أجنحتها، وفقاً لتعبير استخدمه القائم بالأعمال الأمريكي في عمان في أحد الاجتماعات الرسمية.
اتسق كل ذلك مع فتور الحماسة في الجناح النافذ بدوائر القرار الأردني لتلك الأفكار والمعطيات التي تقترح الانفتاح على إيران ومحور الممانعة كبديل لمعالجة الأزمة الاقتصادية الأردنية، وهو جناح عبر عنه رئيس الديوان الملكي الأسبق الدكتور جواد العناني، وبدأ يثار همساً بعد الزيارة التي قام بها الدكتور الرزاز إلى بغداد.
في مؤسسات العمق الأردنية لا تزال إيران تشكل تهديداً محتملاً، ولا يمكن إعادة تصنيف هذا التهديد أمنياً الآن، خصوصاً وأنها تشكل تهديداً مباشراً لشركاء وحلفاء للأردن من الصعب الوقوف على أبواب خصومة تامة معهم، ويشمل ذلك السعودية وإسرائيل.
وطبعاً يقف الوزير الصفدي معبراً وبقوة عن هذا المنطق في تكريس الخوف من إيران والحرص على تجنب مغادرة الموافقات الأردنية المألوفة في الموقف من الجانب العملياتي في سياساتها، ليس في سوريا فقط بل في اليمن ولبنان أيضاً.
بمعنى آخر، بومبيو يبدأ جولته في عمان، والموضوع الرئيسي هو الملف السوري واستراتيجية عزل إيران والإطاحة بنفوذها. وعمان لا يوجد حتى اللحظة ما يدفعها للبقاء أو التواجد خارج هذا السياق.