اراء و مقالات

الأردن: تهمة «اختطاف» مجلس النواب لصالح «أصغر كتلة»… كيف ولماذا مجدداً؟

عمان – «القدس العربي»: عملياً وواقعياً، تسلم التيار المدني في الأردن قبل عدة سنوات حكومة بأكملها تقريباً، وانتهى الأمر بما سمعته “القدس العربي” مباشرة ورداً على استفسار منها من رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عمر الرزاز، تحت عنوان “لسنا وحدنا في البلد”.
طبعاً، بصيغة ما قُيدت يدا رئيس وزراء متحضر ومثقف مثل الرزاز. لكن لاحظ الجميع بأن الكثير من القيود الذاتية لا بل الرقابة على الأداء الذاتي، مارسها المثقفون الليبراليون ورموز التيار المدني والديمقراطيون الذين قال الرزاز إن نسبتهم لا تزيد عن 2% في المجتمع، على أنفسهم. والسبب أن الملاحظة على السلطة عن بعد، لا بل معارضتها أحياناً، مسألة والانخراط في تفاصيلها مسألة أخرى.
ولعل جماعة الإخوان المسلمين العريقة في الأردن هي وحدها دون بقية التيارات التي أدركت مبكراً الفارق بين الانخراط في السلطة والهتاف ضدها في الخارج، فامتنعت براغماتياً عن المغالبة وتجنبت الأغلبية وبقيت في إطار توازنات ذكية. لاحقاً وسابقاً للتيار الموصوف بأنه مدني فيزيائياً، جلس كثير من رموز اليسار الأردني تماماً في أحضان السلطة، وترك لبعضهم المايكروفون لا بل مواقع أساسية في صناعة القرار.
لكن النتيجة كانت مماثلة لما حصل مع التيار المدني؛ فالسلطة أغرت اليساريين أو بعضهم، واخترقتهم، ولم يحصل العكس، وبقي اليساري الذي صعد إلى واجهة المربع البيروقراطي بكل تفاصيله يبالغ ويزاود على الآخرين، لا بل يتصرف أحياناً كمتهم افتراضي عليه أن يثبت طبعاً دون تعميم، الولاء الشديد للفكرة الرسمية.
كل ذلك كان، عملياً، جزءاً عبقرياً من إدارة السلطة في الأردن، لا بل استفاد منه الوطن والمواطن أو يفترض أن يستفيدا، كما شرح النائب السابق والناشط السياسي عدنان السواعير وهو يتحدث إلى “القدس العربي” عن تعليق جرس ديمقراطي وتوفير فرصة لتفعيل العمل الحزبي ضمن مقاربة وطنية.
ورغم ما يضفيه الموقع الرسمي والبيروقراطي غير المنتج في تحريك الركود الواقعي عملياً على مسارين، إلا أن دعاة تيار مدني ويساري دخلوا في ما يمكن وصفه بممارسة اللعبة والسلطة، سواء عبر البرلمان والانتخابات أو عبر مجالس الصف الأول للجان والاجتماعات والاستشارات، أو حتى عبر الوظائف المباشرة التنفيذية، إلا أن النتائج أيضاً لم تكن بالقدر الذي توقعه المدنيون واليساريون، ومعهم وطنيون بالجملة يؤمنون بالبلاد دولة وشعباً، ويبحثون في الوقت نفسه عن معادلة ديمقراطية توافقية تجبر الضرر الحاصل وتحدّ من الترهل والفساد، وتتقدم ولو خطوة على طريقة رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات المهندس موسى المعايطة، إلى الأمام حيث درج على القول بأنه آن الأوان لطي الصفحة والتطلع للمضي قدماً.
بكل حال، لهذا الاستعراض سبب ونتيجة، لهما علاقة بالجدل الذي يثار بين الحين والآخر كلما ارتفع صوت التيار الإسلامي دفاعاً عن قناعاته، سواء في الصحافة والمنابر أو بين الناس، أو تحت قبة البرلمان حيث أصغر الكتل حجماً وعدداً “لا بل مجموعة صغيرة” يتهمها خصوم في الأيديولوجية والسياسة عملياً بأنها نشطة جداً ومؤثرة في مفارقة لا تحصل إلا في سياق النخبة الأردنية.
بكل حال، قناعات الاسلاميين بحدها الأدنى هي جزء من قناعات ونسيج المجتمع، فعمر الرزاز، وليس الشيخ مراد العضايلة أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي، هو الذي اعتبر الليبراليين ودعاة التيار المدني ومن يؤمنون بالديمقراطية والانفتاح الاجتماعي نسبتهم لا تزيد عن 2%، فيما لا يقول الإسلاميون كتيار محافظ اجتماعياً بذلك إطلاقاً.
التهم مجدداً جاهزة للإسلاميين الذين لا يجيبون بدورهم على أسئلة متعددة عالقة. وآخر نسخة من الاتهامات المعلبة هي تلك التي تتحدث عن اختطافهم لمجلس النواب على هامش النقاشات المتعلقة بقانون لحماية حقوق الأطفال.
بالمقابل، لا أحد يعرف أو يشرح للرأي العام إجابة واضحة على السؤال التالي: كيف يمكن لستة نواب فقط يشكلون أقلية الأقلية في سلطة التشريع اختطاف عملية التشريع ومجلس النواب بأكمله؟
لا أحد عند الإجابة على السؤال يريد الانتباه لثلاث مسائل أساسية وجوهرية:
الأولى أن الأغلبية الساحقة من كتل السلطة والولاء خاملة أو قاصرة أو لا تتميز بنشاط العضو الفرد من الكتلة الإسلامية. والثانية أن الحكومة بالمقابل تدافع بخجل عن خياراتها التشريعية وتصمت.
والمسألة الثالثة تتمثل في صعوبة توجيه اللوم وتهمة اختطاف المجلس لمن يقوم بواجبه الرقابي والتشريعي بدلاً من الغرق في مخاطبة الغرائز والبحث عن الخدمات والامتيازات، أو بدلاً من الاسترسال في اختراق الأسقف الحمراء.
طبيعي في الخلاصة أن يحرص المهتمون والخصوم للفكرة الإسلامية على مضايقتها وإزعاجها، ومحاصرتها أحياناً.
لكن الطبيعي أكثر أن يستعيد بقية النواب من خارج اللون الإسلامي زمام المبادرة، ويظهرون قدراً من النشاط، لا بل يحضرون دروسهم مسبقاً، كما يفعل 6 نواب فقط من أصل 130. الاتهام دوماً هو المهمة السهلة في صالونات وأوساط الأردن، لكن العمل الحقيقي على الأرض هو الصعب.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى