اراء و مقالات

«صورة السنوار» وهي تخلط الورق الأردني: كيف يمكن «حماية الوصاية» على الأرض؟

بعد سؤال «الشريك القسري»… فيما زوايا المناورة ضيقة

عمان – «القدس العربي» : لا ينبغي إطلاق عملية تأمل سياسي طويلة ومعقدة ومفتوحة الاحتمالات عندما يتعلق الأمر بتثبيت أركان الثوابت السياسية التي يعتقد بها الأردن ويمارسها في الجزء الأكثر إثارة للجدل بالصراع والقضية الفلسطينية.

بعد سؤال «الشريك القسري»… فيما زوايا المناورة ضيقة

القدس والمسجد الأقصى مجدداً يخلطان أوراق الجميع، والأردن بوصايته ورعايته للأوقاف الإسلامية والمسيحية في الاشتباك والمواجهة.

نحو اليمين والتطرف

والسيناريوهات بعد الهدوء النسبي العام الذي سبق عطلة العيد محكومة بزوايا ضيقة، والخيارات أقل من المعتاد، فيما الرحلة الملكية الاستكشافية للولايات المتحدة على هامش العيد فرصة للتذكير بتلك القاعدة التي طالما حاول التذكير بها البرلماني ووزير الداخلية الأسبق نايف القاضي، عندما تحدث لـ«القدس العربي» عدة مرات بعنوان: لا حلول ولا تسويات لأي من الأزمات في المنطقة والإقليم دون الأردن أو عبر سياسة إبعاده.
في اللعبة التي تدور سياسياً ومحورها القدس الشريف، وتحديداً الولاية الأردنية بمعناها الإشرافي الديني، اختلطت الأوراق كما لم يحصل من قبل، فقوة الموقف الرسمي الأردني المعلن هي سياسية ودولية.
لكن زوايا المناورة ضيقة في الميدان، ليس لأن حكومة نفتالي بينت اليمينية تدير حزمة هي الأسوأ من العلاقات مع الأردن، لكن لأن المؤسسة الأردنية العميقة، تؤمن لا بل قرأت وقررت بأن الإسرائيلي في دولة الاحتلال وفي المجتمع يذهب بخطوات أوسع وأبعد نحو اليمين والتطرف، والأردن يبني تماماً استراتيجيته منذ عام 1994 على أساس، أولاً وجود عملية سياسية من حيث المبدأ، وثانياً وجود شريك إسرائيلي أساسي فيها تحت عنوان السلام.
عنصران سقطا تماماً من المشهد اليوم، فعلى حد تعبير وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، لم تعد عملية السلام موجودة، وانقلبت إسرائيل التي وقعت معها اتفاقية وادي عربة على الجميع، وهي بالضرورة ليست نفسها إسرائيل الحالية. وهو وضع ديناميكي حساس دفع نخبة من كبار كتاب الأردنيين للتأشير على ما سمي في الماضي بسلام الشجعان، وعلى الأزمة الفكرية اليهودية اليوم التي يتم تصديرها إلى الأردن، والأهم دفعت في اتجاه استخدام تعبير على لسان رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة يقال لأول مرة في أدبيات الأردنيين بعد وادي عربة، وهو المتصهينون من المتشددين الإسرائيليين.
لا تخفي إزاء هذا الواقع المعقد عناصر مؤسسات القرار الأردنية الأزمة، لا مع إسرائيل ولا تلك التي تنتج عن انسداد الأفق، خصوصاً أن التواصل مع ما يسمى في عمان بدولة الاحتلال العميقة – وهي حصرياً في مؤسستي الجيش والأمن – لا يزال نشطاً إلى حد ما، لكنه نشاط عاجز عن إحداث فارق لصالح الأردن في مساحات الاشتباك، وفي لعبة القدس والمسجد الأقصى، وعلى أساس القناعة. وقد عبر عن ذلك السياسي المخضرم طاهر المصري بأن ما يفعله الإسرائيلي هو الانتقال إلى الانتهاك بل وتهويد القدس على الأرض.
والمعنى هنا أن آلية التواصل والضمانات مع العمق الإسرائيلي تترنح في واقعها الموضوعي اليوم، ولا تبدو منتجة بالنسبة للأردن الرسمي المرتبك قليلاً، الأمر الذي عبرت عنه 3 خلاصات توصلت لها دراسة تقدير موقف في معهد بحثي أردني قريب من السلطات نسبياً، وقطع شوطاً في اتجاه الجرأة في التشخيص وتوقف الإنكار.

«الصديق الحقيقي»

لكن المأزق الأردني لا يقتصر على هذه التفصيلات وملامحه التي لا يرغب كثيرون في التحدث عنها تتجسد في تلك المستجدات التي جعلت المقاومة الفلسطينية؛ بمعنى اليمين الفلسطيني الفعال في مواجهة العنف الإسرائيلي، شريكاً إجبارياً يقوم بدور فعال جداً في تثبيت الوصاية والمصالح الأردنية ودون أي أدنى تواصل معه.
لسبب أو لآخر تزيد عبر منصات الأردنيين التواصلية تلك التعبيرات التي تحاول لفت نظر حكومة البلاد إلى أن الصديق الحقيقي على الأرض وفي الميدان والذي يدافع عن الوصاية الأردنية وهوية القدس هو حركة حماس والمنظمات الشقيقة لها في المقاومة، إضافة للمرابطين.
طبعاً، لا يرغب كثيرون من ساسة عمان في التوصل إلى استنتاجات أو خلاصات من هذا النوع، لكن الحقيقة والوقائع تقول بأن كتائب القسام مثلاً، إمكاناتها العسكرية انضمت إلى عناصر أخرى في بناء المشهد لدعم هدف معلن للأردنيين، لا بل ينسجم مع ثوابتهم في القدس والمسجد الأقصى، مما يجعل المقاومة شريكاً على الأرض، سواء رغبت حكومة الأردن بذلك أم لم ترغب.
وهو نفسه الشريك الذي يدافع بالقوة ويحقق انتصارات وتهدئة أكثر من أي طرف آخر بالرغم من عدم وجود اتصالات رسمية من أي نوع بيه وبين الوصي الأردني.
وفي الوقت الذي أدرك فيه الرئيس الدكتور الخصاونة بأن مجموعات المرابطين من أهل القدس تسير في الفلك نفسه، وبالتالي امتدحهم في خطاب علني تحت قبة البرلمان، لم يملك بعد أي مسؤول رسمي أردني جرأة الإقرار -ولو عن بعد- بأن عناصر الردع التي تنتجها حركة حماس تخدم في الواقع استراتيجية الأردن في القدس والحرم المقدسي، وهو ما سمعته «القدس العربي» بوضوح من القيادي الحمساوي البارز خالد مشعل عندما التقته وكان يقول نحن والشقيق الأردني في خندق واحد بقضايا الأمة.
تلك واحدة من التجليات المربكة لمحصلة ما فعلته حكومة اليمين الإسرائيلي خلال شهر رمضان المبارك، وهي تحاول إضعاف أو تقويض الوصاية الأردنية. وتحافظ عمان على توازناتها ولا ترغب بإجلاس المقاومة على فراشها أو بالقرب منها.
لكن ذلك يبدو معقداً وصعباً؛ لأن استراتيجية المقاومة الآن تخدم ثابت الوصي الأردني، سواء رغبت حكومة البلاد بذلك أم لم ترغب، والصورة الضخمة الملونة التي وقف القيادي يحيى السنوار في غزة خلفها أمس الأول واعداً بأن لا تتكرر، تقول ذلك بكل اللهجات؛ لأن صورة قوات الأمن الإسرائيلية وهي تدنس المسجد القبلي وتقتحمه هي الأبلغ والأكثر إحراجاً في إثبات نظرية المؤامرة الإسرائيلية على الوصاية الأردنية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى