«حراك معناش» الأردني يعبث بـ «قواعد لعبة» الاحتواء… والرسائل تتجاوز الضريبة وإسقاط حكومة الرزاز قد لا يكفي
شماغ أحمر وعلم البلاد وصور وطنية ومخاطبات ذكية للطبقة الوسطى
يضمن حراكي أردني يرفع علم بلاده وسط قوات الدرك ويطالب بإسقاط الحكومة والفساد وتغيير النهج وسط موجة المطر والبرد أكبر تغطية إعلامية محتملة وترويج إلكتروني غير مسبوق، خصوصاً بعدما ترافق المشهد مع ارتداء «الشماغ الأحمر» التقليدي الذي يعتز به الأردنيون.
مجدداً تعامل المتظاهرون الجدد في ميدان الدوار الرابع الأردني الذي ينبعث أو يتشكل من جديد بـ «ذكاء منقطع النظير» مع المعطيات والوقائع عندما هتفوا للجيش ولأولادهم من قوات الدرك ورفعوا علم المملكة في مشهد يخلو تماماً من الأحزاب والنقابات المهنية التي ستضطر للحاق بهم كما يحصل بالعادة إذا ما صمد حراكهم الجديد بعنوان «معناش» لعدة أيام فقط.
كثيرون من المحايدين وغير المعنيين أو من أفراد عائلة «الصمت» تأثروا بمشهد «الحراكي والعلم وسط المطر الغزير».
الصورة تم تداولها على نطاق إلكتروني واسع جداً لا يمكن السيطرة عليه، والإعلامي والبرلماني السابق جميل النمري وصفها بأنها «الصورة الأجمل» للدلالة على سلمية الاعتصام وجدية المعتصمين في إحياء الدوار الرابع، بعدما توقع الجميع بأن حكومة الرئيس عمر الرزاز أقفلت باب الحراك، فيما هي لم تفعل.
وفيما كانت المعارضة هند الفايز تظهر في الميدان الشتوي للاعتصام مطالبة الأجهزة الأمنية بالتوقف عن اعتقال الأحرار والدفاع عن «الفاسدين»، كانت وزيرة الاتصال جمانة غنيمات تقر علناً بحق المواطنين في الاعتراض السلمي .
الفايز وجهت دعوة بالاسم إلى نخبة من كبار جنرالات الأجهزة الأمنية في «تجديد» سياسي للاعتراض، متحدثة عن الدفاع مع المتواجدين في الميدان تحت المطر عن «الوطن» وحتى عن النظام في وجه الفساد ورموز التصعيد .
كانت تلك لقطة «متذاكية» من شخصية معارضة مثيرة للجدل تؤشر على ما هو أهم: صحيح أن حراك «معناش» بدأ مجهول الأب وغامض الهوية إلا أنه، واعتباراً من مساء الخميس، أظهر قدرات فائقة على «تسييس» فعالياته وبدأ يستقطب الجمهور، حتى إن حزب جبهة العمل الإسلامي-أكبر أحزاب المعارضة- لم يشارك رسمياً لكنه أوفد «شبيبته» للبقاء على تماس مع المواطنين.
إذا استمر الزخم في حراك معناش وسط العاصمة عمان لأسبوع فقط وبدون احتواء ووفقاً لانطباع مراقبين خبراء فإنه سيفرز «إطاراً منظماً» ولجنة تمثله وتفاوض السلطة، وهي لحظة على الأرجح لا ترحب بها أي من دوائر القرار والسلطة، لأن المعترضين من الأطراف الذين يحضرون باستعراضهم الاحتجاجي لعمق العاصمة بدأوا يظهرون مهارة في استقطاب أهل العاصمة عمان .
إذا ما قرر ضحايا قانون الضريبة الجديد الانضمام لحافلة الاعتصام المتهم بأن أجندته غامضة والذي استخدمت «وسائل بدائية» في محاولة وقف نموه مثل الزفت السائل وزيوت محروقة وقطع الإنترنت..إذا حصل ذلك ستكون العاصمة الأردنية أمام مشهد جديد تماماً يمكن أن يتفاعل أكثر عشية ختام العام الحالي.
المثير جداً في التطور الاستثنائي في الشارع الأردني أن «بقاء واستمرار حكومة الرزاز» أصبح مثاراً للنقاش، وأن بعض الجهات المعنية بدأت تفكر بكيفية التخلص من الحكومة في توقيت رسمي سقفه قد يكون شهر شباط المقبل وليس في «توقيت شعبي».
التالي مشهد جديد تماماً أيضاً: حراك الأطراف في عمق العاصمة وبشعارات سياسية ومنظمة قابلة لتطوير نفسها بالتزامن مع «تعاطف الدرك ورجال الأمن» الملموس و»صمت وتواطؤ» الأحزاب والنقابات وتوفير قدرة على الاستقطاب.
لافت جداً، في السياق ذاته، أن ميكانيزم الحراك الجديد، الذي أخفقت حكومة الرزاز في محاورته أصلاً والأجهزة التنفيذية في توقعه واحتوائه، تشكل على أساس رفض قانون الضريبة، فيما لا تتطرق الهتافات والشعارات لقانون الضريبة، بل تتجاوزه بوضوح لصالح مطالب تعتبر إسقاط الحكومة والبرلمان «تحصيلاً حاصلاً» .
وتطالب كما قالت الفايز بـ «حكومة برلمانية» واستعادة الدولة للشعب، والأهم بـ «تغيير النهج» وإسقاط رموز الفساد بالتوازي مع خطابات مباشرة لعناصر الأجهزة الأمنية ورسائل للقصر الملكي.
الأكثر حساسية أن المعتدلين من ساسة ونخبة العاصمة والأحزاب والنقابات قد لا يصمدون طويلاً في موقف «المتفرج».
بهذا المعنى، وسياسياً، إذا ما صمد حراك «معناش» قليلاً وتفاعل واستقطب المزيد من المشاركين لاحقاً ونجح في اصطياد تضامن «الطبقة الوسطى»، خصوصاً في العاصمة عمان.. فسوف تتغير الكثير من معطيات الواقع وقواعد اللعبة سياسياً لصالح منطق شعبي لا يكفي «تغيير حكومة» لملاعبته، لأن سقف المطالب سيكون أكبر بكثير ولأن تبديل الرزاز بغيره هنا لن يخدم مؤسسة القرار ومركز الدولة ومشاريع الاحتواء.