حكومة أردنية أولويتها “إنجازات” في الخدمات بدلا من “الطحن السياسي”
لسبب أو لآخر يمكن القول إن الرسالة التي تقدم بها رئيس وزراء الأردن الدكتور عمر الرزاز وهو يشرف شخصيا على افتتاح مشروع نقل صغير مثل “باص عمان” عميقة سياسية ومؤثرة بيروقراطيا إلى حد كبير.
لا يحتاج مشروعا من وزن إطلاق 150 حافلة حديثة التجهيز أكثر من احتفالية صغيرة يحضرها وزير النقل وعمدة العاصمة وبدون ضجيج إعلامي مبالغ فيه.
لكن الرزاز رافقته طبعا الكاميرات ويريد أن يقول شيئا من خلال التذكير بطبيعة اهتماماته حيث أولويات يتحدث عنها دوما من وزن “تحسين خدمات القطاع العام” على حساب تلك القضايا والملفات الكبيرة التي تصنف بالعنوان السياسي.
في هوامش مشروع “باص عمان” يتجنب الرزاز التعليق على كل الأحداث الكبيرة في الإقليم من صفقة القرن حتى مؤتمر البحرين ويعتزل كل الجدل في الموضوعات السياسية ويحتفي برفقة عمدة العاصمة بمشروع نقل صغير سيؤدي إلى تطوير خدمات النقل جزئيا في العاصمة عمان.
لا يفعل رجل من وزن الرزاز ذلك بالصدفة أو لأنه لا يهتم بالملفات الكبيرة بل لأنه يخطط ببطء للزحف نحو تحقيق نقلات نوعية على الأرض بدلا من الإكثار من الكلام الكبير في قضايا لا تملك المملكة عموما إلا هوامش تأثير محدودة جدا فيها.
في الهامش نفسه يمكن استذكار الصورة المبثوثة على الهواء للرزاز نفسه قبل أشهر عندما صعد إلى إحدى الحافلات خلال جولة في مركز نقل لشمالي المملكة وتحدث مع امرأة عجوز واشتكت من “تأخر الحافلة” ثم تحدث لها عن مشاريع على الطاولة ستحرك الحافلات في وقت محدد وستتمكن هي من خلال جهاز هاتف محمول من معرفة اللحظة التي ينطلق بها الباص.
سخر كثيرون من طروحات الرزاز في ذلك الوقت بخصوص شبكة النقل العام ومن اهتمامه بمحاورة عجوز عن مشكلات النقل العام وتجنبه القضايا الكبيرة.
لكنه يقول للمقربين منه انه سيهتم بمعالجة مشكلات صغيرة بدلا من الإقامة مطولا في الاستعصاء السياسي الذي يعتبر الشارع الأردني شغوفا به.
بدا الرجل مسرورا جدا وهو يفتتح مشروع “باص عمان” وفي الطريق طلب من الأردنيين الاستعداد لمرحلة يستعملون فيها الباص السريع قريبا وشبكة النقل العام وفقا لأحدث المعايير مقترحا ان يتوقف المواطن عن شراء سيارات بالتقسيط.
اغضب التصريح تجار السيارات.
لكن الأهم أن الرزاز يريد تقديم أدلة على “زهده الشديد” في معالجة الاشكالات الكبيرة واعتزاله الجدل غير المنتج حول ملفات كبيرة مقابل الاهتمام بأولويات محددة في نطاق خدمات القطاع العام مثل الصحة والتعليم وشبكة النقل.
المسألة بدأت تلفت الأنظار ولأول مرة تبرز مساحات من الإشادة بالحكومة ومن الاقرار بأن مشروع حافلات عمان مهم وضروري وعبارة عن إنجاز لا يمكن انكاره. كان ذاك واضحا عند راصدي منصات التواصل الاجتماعي في رئاسة الوزراء طوال أسبوع.
يزحف الرزاز هنا ببساطة وتواضع وسط الجمهور بمشاريع منجزة تحدث فارقا سبق ان اقترحت معظمها المبادرة البرلمانية خصوصا في مجالي التعليم وشبكات النقل واستعمال السيارات.
ومن المرجح أن رئيس الحكومة بدأ من بنية عمان العاصمة التحتية، فوسط التقولات النخبوية عن بحثه عن بديل لعمدة عمان الحالي يوسف شواربه، شوهد الرجلان معا في أكثر من مناسبة خصوصا وان شواربه ورث عن أسلافه مشروع الباص السريع المتعطل.
يؤمن الرزاز تماما بمنهجية سياسية وفكرية وإدارية تركز على “إنجازات صغيرة”.
ويعتقد جادا بأن تلك “البصمات” التي يمكن لحكومته أن تتركها، حتى وان انتهى وقتها لأي سبب سياسي قريبا.
عمليا مستوى الاشادة الشعبي بمشروع “باص عمان” يظهر قدرا من التجاوب مع هذا النمط من التفكير الإداري. فإلى جانب المشروع المشار إليه أعلنت بلدية العاصمة عمان عن انها انتهت من مشروع طموح بإنتاج الطاقة من النفايات.
بالنسبة للعاصمة سيتم الاعتماد في الاضاءة للشوارع العامة وخدمات الكهرباء للبلدية بنسبة 50 في المئة على الأقل على المرحلة الحالية من مشروع تحويل النفايات إلى كهرباء.
في الأثناء حفز الرزاز بذكاء واضح شركات الطاقة الوطنية ومنحها دعما غير مسبوق مؤخرا ووعد الأردنيين ببشائر خير فيما يتعلق باكتشاف كميات من الغاز والنفط، وجرعة الدعم للخبرات الوطنية لفتت الأنظار هنا لأنها تتجاوز وتتجاهل الشركات الأجنبية العملاقة.
هنا أيضا بصمة لا يمكن إنكارها في سياق رصد طريقة الرزاز في التحفيز الإداري والأهم الاختراق حصريا بإنجازات صغيرة يمكن مراكمتها لاحقا على بعض برامج خدمات القطاع العام التي تردت إلى مستويات غير مسبوق حتى الآن.
إلى جانب خدمات النقل يهتم الرزاز بالخدمات الصحية.
تلك طريقة عمل لم يألفها جمهور النخبة الأردني والرزاز يخترق فعلا ببطء وبأسلوب زاحف وعبر “إنجازات خدماتية” صعب انكارها وعلى حساب تجنب الغرق في وحل “النقاش والجدال على قضايا ملفات كبيرة”.