رئيس الحكومة الأردني وبعدما قطع عامه الأول في الحكم ويستعد للثاني لديه تصور عن التحديات اليوم وقرر أن يشتبك مع التفاصيل بالقطعة وزهد في الزعامة والقيادة والولاية العامة والمجد السياسي والبيروقراطي مقابل التسلل بإنجازات بسيطة قدر الإمكان
كنا عشرة أشخاص في منزل عضو البرلمان السابق عدنان السواعير قبل أسابيع قليلة من تكليف دولة الدكتور عمر الرزاز برئاسة الحكومة.
آنذاك كان وزير التربية والتعليم وهو الرزاز نفسه يتحدث بإسهاب ونعومة عن مسألتين.
الأولى هي الصعوبات التي يواجهها في بنية وزارته وهو يحاول اعادة انتاج ملف امتحان الثانوية العامة حيث استعصاء وكل تيارات المقاومة العكسية البيروقراطية.
المسألة الثانية اقترحها «معالي الوزير» الذي أصبح بعد أيام دولة الرئيس لها علاقة بقناعته المطلقة أن معالجة مشكلات الإدارة والاقتصاد والتنمية في الأردن تبدأ حصريا من الاعتقاد الجازم بأن إدارة الأمور بنفس الطريقة ونفس الأدوات وتحقيق انجازات في الأثناء بأنها مهمة أقرب للمستحيلة.
سمعت شخصيا هذا الرأي مبكرا عام 2010 من الدكتور مروان المعشر وسمعته لاحقا من الدكتور الرزاز وكلاهما من رجال المرحلة والدولة والقصر لم يحققا شيئا حتى اللحظة على الأقل في تلك النقطة التي طرحاها.
بكل حال أستعيد في هذا المقال ولأغراض المصلحة العامة حوارات لم أنشرها بصورة مباشرة مع الرزاز الوزير والرئيس.
في منزل السواعير طلب الرزاز بصفته الوزارية نصيحة فيما يتعلق بامتحان الثانوية العامة فاقترحت عليه خدش العملاق ووضع استراتيجية للتقليل من هيبة هذا الامتحان والرعب والقلق الذي ينتجه في المجتمع.
وتحدثت أمام شهود العيان عن الحاجة لخطة عملية ذكية تراعي عصرنة عملية التربية والتعليم وتحول امتحان الثانوية العامة أو «التوجيهي» كما يوصف محليا إلى امتحان علمي أكثر دقة وأقل إثارة للرعب والخوف، الأمر الذي يحتاج العمل والتشبيك مع امتحان قبول في الجامعات يخفف من وعورة امتحان الثانوية العام.
بكل حال وافق الوزير وقتها على مقولة خدش العملاق وأقر أنه لم يكن يعلم سابقا أن امتحان التوجيهي يثير كل هذا الرعب في أوصال المجتمع الأردني.
لاحقا وبعدما قررت جهة ما حرمان الأردنيين من وزير استثنائي للتربية والتعليم وتحويله إلى رئيس وزراء أسر لي صديق مشترك أن الرزاز نفسه كان مستغربا ويعتقد أن مركز القرار استعجل عليه قليلا في مسألة تكليفه بالحكومة.
لأسباب متعددة امتنعت عن طرق باب رئيس الوزراء حتى لأغراض مهنية وقابلته مرة واحدة فقط في حوار لم ينشر مضمونه حرصا على التجربة والمشروع وإيمانا أن الصحافي يستطيع الامتناع بين الحين والآخر عن ممارسة الانتقاء والالتقاط في المعلومات إذا تطلبت ذلك الموضوعية المهنية.
في الحوار اليتيم مع الرزاز، والذي أعتقد اليوم أن نشر بعض ملامحه العامة على الأقل لن يضر أحدا، يمكن الانتباه لمسألتين فالرجل كان مهتما بتوضيح عبارته الشهيرة والتي أثارت الجدل حول «قيادة طائرة خربانة» أو تحتاج لصيانة أثناء التحليق.
في المسألة الثانية انتبهت لأن رئيس الوزراء وبعد نحو خمسة أشهر من تكليفه يجيب على الأسئلة بصيغة فيها أسئلة بمعنى أنه وفي عدة مواقع تحدث إلي عن برنامجه ومشروعه خصوصا في الاصلاح الإداري وتطوير خدمات القطاع العام مع تذييل أي فكرة بالعبارة التالية «بس مش عارفين كيف راح تزبط؟».
العبارة واضحة الدلالة وكررها الرئيس بالدارجة والعامية ومقصدها أن لديه أفكارا وبرنامجا لكنه غير متيقن بعد من أنه يستطيع تنفيذها.
وقد أجد العذر لهذا المنطق في ذلك الوقت لأن الرزاز كان يتصور أن المؤسسات العميقة في الدولة ضده وتعمل في الاتجاه المعاكس لحكومته رغم أنه حاول طمأنتها بالاحتفاظ بـ 16 وزيرا ورثهم عن سلفه الدكتور هاني الملقي واضح تماما الآن أنه علق بهم وعلقوا به.
لاحقا شرح الرئيس أن المثال الذي طرحه حول صيانة طائرة أثناء التحليق تعرضت لعطب لم يكن بالصورة التي ظهرت في الإعلام بل كان على شكل تعليق نقلته إحدى الشابات خلال لقاء شبابي سئل فيه الرزاز عن ما سيفعله.
لاحقا أيضا ورغم خدمته وزيرا في الحكومة وأحد كبار المدراء في مؤسساتها سنوات طويلة أقر الرزاز أنه كان يعرف بالشللية في أجهزة الحكومة ويعلم عن الاستعصاء البيروقراطي لكنه فوجئ وصدم فعلا بحجم هذه الشللية وبالقدرات المتفوقة داخل السيستم لرموز الاستعصاء والتيار العكسي.
واضح تماما أن رئيس الحكومة الأردني وبعدما قطع عامه الأول في الحكم ويستعد للثاني لديه تصور عن التحديات اليوم وقرر أن يشتبك مع التفاصيل بالقطعة وزهد في الزعامة والقيادة والولاية العامة والمجد السياسي والبيروقراطي مقابل التسلل بإنجازات بسيطة قدر الإمكان فقط في مساحتين هما تعديل بعض التشريعات والاصلاح الإداري. حتى هذه الطموحات البائسة الصغيرة قد لا يسمح بها القوم. وقد لا تسمح بها وهنا المفارقة لا إمكانات ولا وسائل الرزاز أو طريقته في الاشتباك والمواجهة.
ما أعتقده شخصيا هو شبه استحالة تنفيذ المهمة عبر القراءة من بحث علمي أو عبر «كتالوج» يقال إنه يحرك عقل الحكومة ورئيسها.