عندما «يزحف» الأردن خارج المحور السعودي: الرزاز على السجادة العراقية الحمراء قبل تجنب الدوس على «العلم الإسرائيلي»
ساعات فقط فصلت بين استقبال نجل القطب البعثي الراحل ورئيس وزراء الأردن الدكتور عمر الرزاز بحفاوة وعلى السجادة الحمراء في مطار بغداد الدولي، وبين اضطرار الأخير للدخول إلى مقر نقابات بلاده في عمان العاصمة من بوابة جانبية تجنباً للعبور بأقدامه على علم إسرائيل.
تلك مفارقة زمنية لها ما لها وعليها ما عليها سياسياً، لأن زيارة الرزاز الأخيرة لبغداد وما رافقها من طنين ورنين إعلامي وبيروقراطي وسياسي بدأت تعكس وبهدوء حالة الزحف السياسي والدبلوماسي الأردني نحو رسائل لها علاقة بمسافة أبعد من «المحور السعودي».
المحور السعودي لم يعد منتجاً في العلاقات مع الأردن، فلا دور له إطلاقاً في احتواء أو معالجة الأزمة الاقتصادية في المملكة، والزحام كان طوال الوقت ملموساً على الحصة الأردنية في ملف القدس والمسجد الأقصى، والشريك المصري بدأ يسترسل في إخفاء المعلومات عن الأردن، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية وما يجري في قطاع غزة.
وبسبب تلك الاعتبارات والإشارات التي لحقت بها على لسان العاهل الملك عبد الله الثاني، يمكن القول بأن الشكل الذي انتهت إليه زيارة الرزاز المهمة جداً الأخيرة لبغداد هو أيضاً رسالة مرتبطة باستراتيجية الزحف خارج المعسكر السعودي، والتي بدأت أردنياً بوضوح على أكثر من صعيد وبأكثر من لهجة، مع أن الزيارة معنية بملف المصالح الثنائية المشتركة. ففي بغداد سمع الرزاز من أركان اللعبة العراقية الكثير من التقييمات والتشخيص. وقبل تنفيذ الزيارة أصلاً نقل له سفيره في العاصمة العراقية الدكتور منتصر العقلة كل ما يسمعه عن عبثية الإصرار الأردني على الوقوف دوماً داخل العراق مع التيار المناهض لإيران.
التمكن من أسواق العراق ونفطه يتطلب الانفتاح قليلاً على إيران
الحصيلة التي حظي بها الرزاز وعاد يحملها إلى بلاده كبيرة جداً بعد استثناء استقباله الرسمي الدافئ والحميم، فالرجل سارع للإعلان عن أن العراق سيبدأ توريد النفط عبر ميناء العقبة، ورغم أن البروتوكول الفتني البيروقراطي لم يحسم بعد إلا أن حكومة الأردن أعلنت بالتزامن في السياق نفسه عن أسعار نفط تفضيلية حصلت عليها من الجانب العراقي.
بحث الرزاز أيضاً تدشين وتنشيط الانتقال إلى مستوى التنفيذ بأسرع وقت ممكن في مشروع ناقل النفط بين البلدين الذي تتحمس له سفيرة بغداد النشطة في عمان الدكتورة صفية السهيل، وهي نفسها السفيرة التي ناكفت علناً في أحد اللقاءات السفير السعودي الغائب الآن عن المشهد في الأردن الأمير خالد بن فيصل.
في كل حال، عاد وفد الرزاز من العراق مع توقيع 15 اتفاقية جديدة لها علاقة بالتعاون التجاري ومعالجة مشكلات الحدود والتباين في توريد ونقل وتخصيص النفط، بالإضافة إلى نظام التبادل في العطاءات.
ما قالته ضمنياً تعليقات الرزاز الحماسية يتحدث بشكل مباشر عن فتح السوق العراقية للأردنيين، وعن تجاوز الخلافات القديمة، وعن صفحة أعمق في البعد الاستراتيجي قريباً، لأن نشاط الجانب الأردني كان مع رئيس الوزراء الجديد ورئيس الجمهورية الجديد أيضاً الذي زار عمان قبل أسابيع.
تبرز مثل هذا الحماسة البيروقراطية والسياسية الأردنية بعد الالتزام جزئياً بنصيحة سمعها السفير العقلة سابقاً من أركان في البرلمان العراقي موالين لإيران، تقضي بأن تتوقف عمان عن وضع بيضها في سلة رئيس الوزراء الأسبق وصديقها حيدر العبادي تحديداً، على أساس أن تجربة العبادي وطاقمه انتهت. وباللغة الأعمق، يعني ذلك أن النجاح في اختراق السوق العراقية سمحت بتحويله إلى اتفاقيات مساحات اللوبي الإيراني. وقد يعني ذلك لاحقاً أن نفاذ المشاريع والاتفاقيات الموقعة والجديدة يتطلب خطوة إضافية من الأردن في اتجاه موازين القوى داخل المعادلة العراقية، وهي خطوة تجزم «القدس العربي» بأنها مطلوبة بصيغة وقف الاستعصاء الدبلوماسي مع طهران، وتعيين وتسمية سفير للمملكة فيها حتى تعبر المصالح الأردنية في أسواق العراق بشكل سلس أكثر.
وهي خطوة يبدو أنها قد تدخل في سياق الاستحقاق قريباً، لأن بين يدي الرزاز اليوم منتجاً حقيقياً يمكن أن يضغط به على مراكز القوى في الدولة الأردنية المستمرة في التحذير من خطورة وكلفة الانفتاح على الإيراني.
يحصل كل ذلك بطبيعة الحال بالتوازي مع إعلان الملك عبد الله الثاني «أن العلاقات مع سوريا الشقيقة في طريقها للعودة، وكما كانت»، وفي ظل تجاوز ثنائية بطيئة لمحطة عام 2011 في العلاقات مع دمشق.
كما يحصل بعد الهدية الكبيرة التي قدمها لحكومة الرزاز الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بتسليمه المتهم في قضية التبغ، عوني مطيع. وبالضرورة، يحصل فيما تتواصل «الإيجابية « في العلاقات مع دولة قطر وتنمو إلى حالة أصبح فيها الاهتمام بعودة السفير القطري إلى عمان من متطلبات الضغط البرلماني والشعبي الأردني.
وفي الخلاصة، يمكن القول إن السجادة الحمراء التي استقبلت الرزاز في مطار بغداد على نحو أو آخر هي محاولة تحفيز لاستراتيجية الزحف الأردني خارج المنطوق السعودي بالرغم من التوازن الشديد الذي قصده الرزاز نفسه عندما دخل من باب جانبي لتجنب الإحراج المتمثل في الدوس على علم إسرائيل، في الوقت الذي داست فيه على العلم نفسه عند بوابة مجمع النقابات المهنية وزيرته والناطقة باسم حكومته جمانة غنيمات