عودة لصيغة شبابية… «الأمور ليست بخير سيدي»: القصر الأردني يتفهم ويدعم والمؤسسات «لا تقبل»
لا أحد يتوقع أن تتفهم وبسرعة مؤسسات القرار ونخب السلطة في الأردن حجم التأثير السلبي أو الإيجابي لانفلات مشهد من الطراز الذي يعلق في الذاكرة، يعلن فيه شباب نشطاء وأمام الملك عبد الله الثاني شخصيا، بأن« الأمور ليست بخير.. سيدي».
قد يكون الملك شخصياً أول من يظهر دعماً وتقبلاً لمصارحات شبابية من هذا النوع.
لكن، دون المؤسسة المرجعية، لم تصل بقية الأطراف في الدولة إلى مستوى الرؤية الملكية التي تؤمن بالصراحة والشفافية، لا بل تحرض الشباب علناً على الضغط والاشتباك عندما يتعلق الأمر بصلابة ثقافة الإنكار وسواد الثقافة التي تبلغ صاحب القرار بأن الأمور بخير رغم أنها ليست كذلك.
بالنسبة لشخصية وطنية من طراز المحامي زياد الخصاونة، لا تزال ثقافة الإصرار على إنكار التحديات والمشكلات في الواقع من أبرز التحديات التي تواجهها المؤسسات الأردنية.
رغم ذلك، يبدو أن عبارة «الكرك ليست بخير».. والأمور ليست جيدة» تردد صداها خلف الستارة والكواليس على أكثر من صعيد، خصوصاً أن حلقات في مستويات القرار التنفيذي تصر على أن إطلاق تعميم من هذا النوع ينطوي على إفراط في السلبية وعلى أن المؤشرات الإيجابية هي التي ينبغي أن تسود تلك الاجتماعات والنقاشات حتى بحضور القيادة.
لا يهضم مسؤولون كثر في الحكومة فكرة أن يتطوع شابان بصراحة وببساطة لإبلاغ القرار المرجعي علناً برواية مضادة لرواية السلطة والحكومة حول سير الأمور.
حصل ذلك فعلاً عندما التقى الملك عبد الله الثاني، شخصياً، نخبة من أهالي مدينة الكرك.
وحصل في حادثة مشهورة، تطوع فيها شابان ناشطان من أبناء المدينة لإبلاغ الملك بأن الأمور في مدينتهم ليست بخير، قبل مغادرته في الإجازة الأخيرة ثم عودته لعمان.
صدى واسع، إعلامياً وسياسياً ووطنياً، حظيت به وقتها مداخلة الشابين اللذين أصغى لهما الملك باهتمام بالغ، فيما تلاوم مسؤولون تنفيذيون خلف الكواليس بسبب تسرب مداخلة من هذا النوع الصريح في حضرة صاحب القرار، الأمر الذي يتعاكس عملياً مع اتجاهات إنكار المشكلات المألوفة.
لا أحد يعرف حتى اللحظة كيف تعاملت دوائر القرار مع مداخلة الشابين إياها.
لكن، يبدو أن مراجعة حصلت وأن بعض المسؤولين، خصوصاً في حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز، تم اتهامهم بالتسبب في حادثة يمكن الاستغناء عنها، على أساس القناعة بأن جوهر طبيعة المشكلات في الواقع المحلي يتطلب حرصاً أكثر، خصوصاً في لقاءات مفتوحة مع القيادة، من طراز ما حصل في مدينة الكرك.
تحملت حكومة الرزاز أو بعض أجنحتها مسؤولية إنتاج هذا التشويش.
لكن الأهم ظهور بوادر على أن نخبة من المسؤولين والموظفين، خصوصاً في المستوى السياسي والبيروقراطي، متمسكون بثقافة الإنكار ولا يرغبون بالتوسع في تخصيص مساحات، خصوصاً في هوامش حوار ملكي ومرجعي لأصحاب الرأي المناكف أو المعارض أو حتى الذي لا يحترم -برأي هؤلاء المسؤولين- قواعد الحوار ويميل إلى السلبية وينكر الإنجاز والإنتاج.
تعود دوائر القرار هنا، إزاء هذه الحادثة تحديداً وغيرها، إلى المربع الأول القاضي بالسعي إلى إظهار أدلة وقرائن بصورة دائمة تثبت بأن المشهد لا يزال ممسوكاً، ومساحة الحرية في التعبير ينبغي أن تضبط وأن لا تكون منفلتة.
تلك، بطبيعة الحال، رسالة المراجعات التي تم توجيه اللوم فيها لموظفين أو مسؤولين سمحوا بالتشويش القائل بأن الأمور ليست بخير، وفقاً لمنطق يفترض بأن أجواء التماسك والاستقرار العام تتطلب إشاعة التفاؤل وليس العكس، باعتبار ذلك من الاحتياجات الملحة مرحلياً للدولة والناس أيضاً.
طبعاً، وفي المقابل، لا يعجب مثل هذا المنطق تياراً ليبرالياً وإصلاحياً في الحكومة وخارجها يدعو إلى مزيد من المصارحة والشفافية ويحاول التنمر على ثقافة الإنكار وزراعة ثقافة بديلة مكانها، عنوانها مزيد من الانفتاح والتسرب للقرار المركزي بروايات غير معلبة عن واقع الحال.
ينتج عن ذلك، بطبيعة الحال، تجاذب وخلافات داخل أروقة القرار بين أصحاب وجهتي النظر.
وفي حال استرسال هذا النمط من التجاذب وعدم حسم قضية مستوى القرار في مطبخ الدولة المركزي، يمكن ببساطة توقع أن يتحول التجاذب لاحقاً إلى انقسام أفقي مفتوح السيناريوهات، وصراع بين مراكز قوى يخسر فيه كل من يخسر بالعادة.
ذلك محظور أساسي يخالف طبيعة ومناخات ظروف الإقليم والمنطقة ينبغي على الطرفين الحذر وبشدة من منزلقاته.