اراء و مقالات

الخصاونة يحاول «ضبط الإعدادات»: تعديل وزاري جديد في الأردن «باهت» سياسياً ونشط «تكنوقراطياً»

عمان – «القدس العربي»: اللعب في هامش «الممكن والمتاح».. هذا تماماً ما فعله رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة وتوقعته «القدس العربي» الأسبوع الماضي، وهو يقرر التعديل الخامس على طاقمه الوزاري بعد ظهر الخميس وبصيغة متزنة إلى حد ما، هدفها معالجة إشكالات تكنوقراطية ومهنية أكثر من التقدم بوصفة سياسية يمكن فعلاً الرهان عليها لإطالة عمر الحكومة لوقت طويل.
التعامل في معادلة التعديل الوزاري خطط لحسم جدل التعديل والتغيير الوزاري فقط عملياً. وعلى هذا الأساس كانت الصيغة التي لجأ لها الرئيس الخصاونة هي صيغة العمل وفقاً للممكن والمتاح، فبعض المحطات في تعديل بعض الوزراء النافذين يبدو أن الوقت لم يحن بعد لتجاوزها، رغم أن صلاحيات أي رئيس حكومة بالعادة كبيرة ومتسعة عندما يتعلق الأمر بتعديلات وزارية بعيدة عن الاعتبارات أو الحقائب السيادية.
لكن رؤساء الوزارات الخبراء في كيفية إدارة الأمور يعلمون مسبقاً ما هو الفارق بين الممكن والمتاح أثناء تعديل وزاري، وبين مسافة طويلة يمكن قطعها وكيف. ويعلمون أيضاً كيف يمكن الحفاظ على صلابة حكومة وإقامة حاجز لإطالة عمرها ولو قليلاً في ظل توازنات اجتماعية أو مناطقية وعشائرية مرة، ومهنية وسياسية وأحياناً أمنية من النوع الحساس وفي مواقيت حساسة للغاية، في بعض المرات.
لذلك وباختصار شديد، وبالخلاصة السياسية، يمكن وصف التعديل الوزاري الذي شهدته عمان أمس بصفته مجرد تعديل وتبديل لبعض الحقائب الوزارية هنا وهناك بهدف ضبط الإعدادات داخل الفريق الوزاري، وتجاوز التباينات والخلافات وأحياناً التجاذبات، وإعادة إنتاج حالة مهنية جديدة تكنوقراطية الطابع ومهنية الإطار تخدم العودة لاحتمالية وسيناريو التعامل بروح الفريق الواحد، لأن هذه الحكومة اليوم وكما وصفها عدة مرات عضو البرلمان الناشط والخبير الدكتور خير أبو صعليك، حكومة محظوظة إلى حد ما، بوجود وثائق مرجعية ثلاث على الأقل اليوم، يفترض أن تعمل بموجبها، وهي وثيقة مشروع تحديث المنظومة السياسية، ووثيقه التمكين الاقتصادي، والوثيقة التي أشرف الخصاونة نفسه على لجنتها وأعمالها المرتبطة بملف الإصلاح الإداري أو إصلاح القطاع العام.
صفة الوزارة المحظوظة لا تكفي لإنجاز العمل المطلوب والتعامل مع تحديات الأمر الواقع، لكن تعديلاً وزارياً خامساً في هذا الظرف الزمني، يمنح الخصاونة فرصة أكبر للتحكم والسيطرة على طاقمه، ويمنح مجلس الوزراء برمته فرصة متزنة إلى حد بعيد في إعادة استعادة المبادرة، كما يخصص وقتاً إضافياً في عمر الحكومة كانت الحاجة ملحة له في كل حال.
وفي العودة لإطار وسياق وهوية وملامح التعديل الوزاري المعلن أمس الخميس في عمان، يمكن القول ابتداء بأن هذا التعديل يخلو تماماً من أي نكهة سياسية مؤثرة، وهو يعالج إشكالات بيروقراطية أو تكنوقراطية ومهنية، ولا يجدد كثيراً أو لا يذهب مسافة كبيرة جداً أكثر من المعلوم في سياق الحديث عن تجديد الدماء. وذلك إجرائياً، بدلالة عودة الدكتور عزمي محافظة وزيراً للتربية والتعليم والتعليم العالي، وانتقال وزير النقل المخضرم وجيه العزايزة للطاقم السياسي عبر حقيبة الشؤون البرلمانية، ثم انتقال وزيرة الشؤون القانونية وفاء بني مصطفى إلى التنمية الاجتماعية، مما يبقي خبرتها على احتكاك بالنواب.
الأرجح أن حقائب السيادة بقيت كما هي، وتكرس حضور ونفوذ رئيس الطاقم الاقتصادي ناصر الشريدة بتسميته نائباً للرئيس، واختير القيادي الاجتماعي في مدينة السلط ماهر أبو السمن وزيراً لحقيبتي النقل والأشغال، وانضمت لاعبتان سيدتان للطاقم الاقتصادي حصراً، هما زينة طوقان للتخطيط، وخلود السقاف لوزارة الاستثمار. ودون ذلك، لا مفاجآت سياسية وعملية «محاصصة وتسكين».
بمعنى آخر، تعديل وزاري باهت بالمدلول السياسي، لكنه بالمدلول المهني والتكنوقراطي يمكن أن يمنح الحكومة دفعة جديدة ويطيل عمرها وينشطها. وهو في كل حال تعديل له أغراض وظيفية سياسياً وبرلمانياً، أهمها التوجه بروح جديدة لشخصيات ورموز جديدة نحو سلطة التشريع عشية انعقاد الدورة العادية المقبلة للبرلمان يوم 13 نوفمبر. المتاح يقضي بأن الرئيس الخصاونة قد لا تتوفر له اليوم على الأقل فرصة لإطلاق تعديل وزاري بمدلول سياسي عميق يتضمن ضم شخصيات وطنية مثيرة أو مهمة. وبالمتاح أيضاً، لعب رئيس الوزراء بالأوراق التي بين يديه، فأعاد مناقلة نحو 6 وزراء، ودمج وزارتين بواحدة، وخرج بالموجب 6 من أعضاء في الطاقم، فيما دخل خمسة.
وحجم وطبيعة وهوية التنقلات التي حصلت بين الوزراء تثبت بأن الخصاونة يؤمن بالنسبة الغالبة من فريقه الوزاري الحالي، لكنه يعالج ثغرات بالعمل هنا وهناك.
حصة النساء في التعديل الوزاري زادت بوضوح، لا بل تضاعفت بمقدار 100 % وذلك بحد ذاته اليوم في الإدارة السياسية الأردنية هدف وطموح دائم.
وبعض وزراء «الخمول» يفترض أن يخضعوا للتنشيط بعد بقائهم في التعديل الوزاري، أو أن ينتقلوا من حالة النوم والخمول إلى حالة الفعل والاشتباك.
في كل حال، لا يقول التعديل الوزاري الأخير في الأردن الكثير سياسياً، لكنه يقول بأن حكومة الخصاونة باقية، لا بل تتمدد قليلاً، ويقول الكثير بيروقراطياً، وأن كانت الأمور ستظهر في تفاصيل تقييم الأداء لاحقاً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى