مدارس متعددة ووجهات نظر حتى داخل أروقة القرار: الأردن برسم السؤال الأهم: التحدي الاقتصادي هل يتجه للتحول إلى “أزمة أمنية”؟
تبدو الفرصة مواتية مجددا للتركيز على الأهم في المشهد الأردني حيث توجيهات مركزية ومرجعية لغالبية الدوائر والمسؤولين تتحدث عن تكثيف خطاب الأولويات في منطقة لها علاقة بتحد يتيم يواجه البلاد هو التحدي الاقتصادي فقط.
الإيحاء واضح هنا عندما يتعلق الأمر بالتقييم المرجعي والتشخيص العمومي بعدم وجود تحديات لها صلة بالعلاقات والتحالفات الإقليمية والدولية وبعدم وجود تهديدات أو تحديات ذات بعد أمني وعسكري بطبيعة الحال.
الإنكار قد ينطوي على حكمة لوجود تحديات خلافا للاقتصادية.
بمعنى أن مركز القرار لا يعتبر حتى اللحظة الحراك الشعبي المتصاعد والاعتراض والغضب لدى الرأي العام في تصنيف حساس وسط قناعة بأن تحفيز بنية وأرضية النمو الاقتصادي قليلا سيعفي الدولة والأجهزة الأمنية من حراكات الشارع.
عندما يتعلق الأمر بالتحدي الأبرز أمنيا حتى قبل عامين وهو الإرهاب وتحديدا تنظيم “الدولة” لا تبدو المؤسسات الأردنية قلقة من هذا السياق لأن هذا التنظيم ينكفئ أصلا، ولأنه عجز طوال سنوات من الاشتباك معه في العراق وسوريا عن اختراق الأردن داخليا بأي شكل من الأشكال في رسالة تطمئن الشارع على أن التحدي الأمني المتعلق بتنظيم “الدولة” وشقيقاتها تتكفل به وبكفاءة حتى اللحظة المستويات الأمنية.
مؤخرا وفي حديثه العلني قال الملك عبد الله الثاني إن علاقات بلاده الدولية والإقليمية في أحسن أحوالها.
وتلك صيغة تعني أن الأردن ليس بصدد الانتقال بشكل سريع أو دراماتيكي من محور إقليمي إلى آخر خلافا للانطباعات التي يروجها بعض الساسة بالرغم من التأشير الملكي العلني على نوايا الانفتاح في علاقات اقتصادية
وتجارية مع العراق وسوريا.
في كل حال يصر جميع المسؤولين على أن التحدي الأساسي يكمن في أجندة اقتصادية في المقام الاول. وهو خطاب ومنطق يقره ويعمل على أساسه رئيس الوزراء الحالي الدكتور عمر الرزاز الذي تلقى علنا رسالة مرجعية مؤخرا تقول بأن الإصلاح السياسي بما فيه تغيير قانون الانتخاب ليس من الأولويات.
التقييم عندما يتعلق الأمر بالإصلاح السياسي وقانون الانتخاب الجديد يوحي ضمنيا بأن التراكم في اعتصامات الشارع الأردني وحراكاته منطلقين أصلا من دوافع اقتصادية والمعترضون لا يطالبون بإصلاح سياسي بقدر ما يهتفون لصالح تغيير وأحيانا إسقاط النهج الاقتصادي.
استنادا إلى خبراء اقتصاديين كبار لديهم تجربة في إدارة الاقتصاد والدولة فإن الحاجة ملحة اليوم لتغيير قواعد العمل القديمة. هذا ما يقوله رئيس الديوان الملكي الأسبق وخبير الاقتصاد والقطاع العام الدكتور جواد العناني.
العناني وغيره يقدمون اقتراحات متتابعة لأصحاب القرار اليوم بالتوقف عن المضي بالخطط الاقتصادية نفسها وإعادة النظر بقواعد العمل في الملف الاقتصادي.
سمعت “القدس العربي” نائب رئيس الوزراء الأسبق والمخضرم الدكتور محمد الحلايقة رأيا فنيا يتحدث عن ضرورة مراجعة الاتجاهات في التخطيط الاقتصادي التي امتنعت عن معالجة المشكلات.
حلايقة يتحدث عن مقاربة مختلفة على أساس التقييم العملي والموضوعي.
قبل ذلك خبير استثنائي على المستوى الدولي من وزن الدكتور طالب الرفاعي تحدث عن ضرورة الانتباه لإسقاط تلك الاعتبارات التي أدت لأزمة الاقتصاد اليوم.
الرفاعي أبلغ الرزاز بوجهة نظره مقترحا بأن التصعيد الضريبي يراكم في الأزمة ولا يعالجها وبأن إدارة العلاقة والاتصال بالمؤسسات المالية المانحة دوليا يحتاج لأساليب متطورة ومنتجة أكثر.
وهو لا يوافق وغيره من كبار الخبراء على الاستنتاج القائل بأن التصعيد الضريبي هو وحده الكفيل بمعالجة عجز الميزانية لأن ذلك برأي العناني لا يحفز البيئة والنمو الاقتصادي بل يعمل في الاتجاه المعاكس تماما.
في كل الأحوال ومع وجود تلك الوصفات المركزية التي تقترح التركيز على وجود تحديات ذات طبيعة اقتصادية فقط تواجهها البلاد لا يوجد اتفاق حتى بين خبراء الاقتصاد ورموزه في الدولة على أولا توصيف التحدي الاقتصادي وثانيا تحديد اتجاهات المعالجة.
هنا مأزق مختلف تماما والوقائع في الشارع اليوم في ظل تراجع الإيرادات قليلا ونمو فكرة التجمهر والتحشد للاعتراض والمخاطر التي تتهدد الطبقة الوسطى يعني ببساطة شديدة أن التحديات الاقتصادية إذا لم تعالج وفي وقت قريب قد تتحول إلى تحديات أمنية واجتماعية. ذلك العنصر هو الجديد تماما في تقدير بعض المناطق العميقة في الدولة الأردنية.
لا يوجد حماس كبير للقناعة بمثل هذا المنطق حتى اللحظة خصوصا على المستوى المرجعي. لكن ثمة أجراس تقرع وقراءات في المستوى الأمني ترجح بأن على المستوى السياسي التصرف في الأزمة المالية وبأسرع وقت ممكن حتى لا يتحول التحدي السياسي إلى احتقان تنتج عنه أزمة أمنية.