مشروع مثير لجمع السلاح من الأردنيين… ووزارة «الداخلية» في «عش الدبابير»
تسليم «الأوتوماتيكي» خلال 6 أشهر و«رجال أمن سرّيون» في الأعراس
بدأ وزير الداخلية الأردني المخضرم سلامة حماد، مبكراً، أولى معاركه العلنية مع «عش دبابير» اجتماعي كلاسيكي مستقر منذ سنوات طويلة، وسط وجهات نظر متقاطعة سياسية تشكك بالدوافع وباسم «تعديلات تشريعية» على القوانين الناظمة للأسلحة والذخائر.
يحب الفضوليون هنا استذكار ما قاله قبل عامين وأثار ضجة، رئيس الوزراء الأسبق، أحمد عبيدات، عن وجود نحو 10 ملايين قطعة سلاح غير شرعية دخلت المملكة بعد الربيع العربي عام 2011.
بلهجة عبيدات وشروحاته، «يتكدس» هذا العدد المرعب من الأسلحة بطريقة مريبة، وثمة من يمكر ويخطط للشر ويستهدف استقرار المملكة.
بلهجة الوزير حماد التي سمعتها مباشرة «القدس العربي» من مصدرها، لم يعد من المقبول إطلاقاً وتحت أي ذريعة القبول بفوضى الأسلحة والجرائم التي ترتكب ضد الأمن والوطن والمواطنين بواسطتها. وطبعاً لا تقر السلطات رسمياً بوجود العدد الضخم الذي يتحدث عنه العبيدات من الأسلحة غير الشرعية.
لكن الصدمة كانت دبلوماسية وسياسية وثقيلة الوزن قبل عامين أيضاً عندما تحدث الإعلام الأمريكي عن مقتل مدربين أمريكيين في قاعدة تدريب أمنية ببندقية أمريكية الصنع كانت مرسلة للمعارضة السورية، وعلى يد رجل أمن أردني. ولا أحد في هرم السلطة يرغب باستذكار تلك الواقعة. ولا أحد في المقابل يريد الخوض في نقاش ما تحدثت عنه أوساط إعلامية أمريكية قبل خمسة أعوام عن «شبكات موظفين رسميين» تاجرت بأسلحة كانت لها علاقة بمشروع تسليح المعارضة السورية.
بكل حال، ارتكبت تسع جرائم على الأقل في شهر رمضان الأخير، وجميعها بسلاح غير مرخص بين يدي مواطنين. والأسبوع الماضي حصرياً، استل موظف غاضب في مستشفى في مدينة الكرك، جنوب البلاد، سلاحه الرشاش وأطلق النار داخل مختبر طبي بعد الاستغناء عن خدماته… اشتعل المكان وأدى فوراً إلى مقتل طبيب سوري وآخر أردني ثم موت القاتل حرقاً قبل إصابة شخصين.
في الأثناء، وبعد شهر رمضان المبارك، لا تخلو صفحة الأخبار من جريمة قتل يومياً تنتج عن مشاجرة أو تلاسن أو أسباب بسيطة وساذجة تكرس القناعة بأن «مزاج المواطن الأردني» يميل إلى استعمال سلاح ناري من دون تردد.
ويقر الوزير حماد بأن عدد الأسلحة غير الشرعية بين يدي الأفراد تحول إلى «ظاهرة أمنية خطيرة جداً»، ويؤمن بأن واجبه الأساسي المكلف به يتمثل في «وقف هذا النزيف». حتى عندما يتعلق الأمر برصاص الاحتفالات تتواصل الحوادث، فقد أصيب عشرة أشخاص على الأقل، وقتل طفلان منذ أسبوعين خلال أعراس. وهنا يعيد الوزير حماد التأكيد: لن تسكت قوة القانون على ذلك أيضاً بعد الآن، وإطلاق الرصاص لأي سبب ممنوع تماماً، وذراع القانون ليست قاصرة.
من وجهة نظر عضو البرلمان السابق، ميشال حجازين، لا مبرر لتشريعات جديدة تأخذ الصالح بالطالح، فالفئات التي يستهدفها قانون الذخائر الجديد من البلطجية ومطلقي الرصاص في الاحتفالات وغيرها يمكن أن يتكفل بها قانون العقوبات الحالي. وما يلمح إليه حجازين واضح ويمكن الاستدلال عليه، وهو أنه لا يوجد مبرر للخوض الآن في تشريعات جديدة بحجة تنظيم السلاح، لأن التشريعات الموجودة أصلاً تكفي، والمطلوب إلزام المؤسسات بالتنفيذ فقط.
ما لا يريد حجازين وغيره الآن الإشارة إليه هو التشكيك بأن دوافع قانون الذخيرة والسلاح الجديد المرسل بنسخته الأولى للبرلمان «سياسية» وقد لا تكون «جنائية» ولها علاقة بفوضى السلاح.
من زاوية الوزير حماد ورفاقه في وزارة الداخلية تلك خطوات غير كافية، وثمة ثغرة في قانون العقوبات لا بد من الإقرار بها، وتغليظ عقوبات انفلات الرصاص والسلاح يتحول إلى استراتيجية وطنية عميقة من العبث والمبالغة باتهامها بـ«التسييس».
في الواقع من يشككون بدوافع وزارة الداخلية اليوم يتصدرون بالعادة مشهد مطالبة السلطة بالتدخل لوقف الجرائم التي ترتكب بأسلحة نارية غير شرعية وغير مرخصة، وهؤلاء لا يقدمون وصفة مقنعة للتخلص من الظاهرة التي تستنزف الأجهزة والمجتمع.
في المقابل، دعاة قانون الذخائر الجديد لا يتقدمون بمقترحات محددة لاحتواء الجدل العاصف الذي بدأ يتحدث فعلاً بمجرد تسريب بعض حيثيات التعديلات التشريعية المقترحة عن مشروع خطير لاستعمال ذرائع الجنايات وتخليص أبناء العشائر الأردنية من سلاحها الفردي ولأسباب سياسية تتعلق بتمرير صفقة القرن.
«يضحك» الوزير حماد، حسب المنقول، عندما يستمع لمثل هذا الطرح، فحجم الشكاوى التي تصل مكتبه أصلاً عن ظاهرة انفلات الرصاص والأسلحة أكبر بكثير من أي إمكانية لتجاهلها أو للتسييس. وبكل حال، ذهب التشريع الجديد إلى مسافات عميقة في المجتمع وجذرية وقد تتعدى مجرد التفكير بجمع سلاح غير مرخص أو بالسيطرة على ظاهرة إطلاق الرصاص من فرط الفرح.
النصوص المتداولة تتحدث عن «جمع» كل قطع السلاح المرخص وغير المرخص فردياً، وعن عقوبات خشنة جداً ضد إطلاق الرصاص لأي سبب وعن «رجال أمن سريين» سيزورون الاجتماعات والأعراس، والأهم عن أمر تنفيذي مباشر بتسليم كل سلاح أوتوماتيكي بحوزة أي أردني خلال 6 أشهر فقط.
حتى اللحظة لا يمكن التنبؤ بنهاية هذه النصوص، خصوصاً وأن مجلس النواب الذي يمثل الثقل العشائري ستكون له كلمة خلافاً؛ لأن الحكومة مطالبة بتقديم أدلة على أن المسألة لا علاقة لها بسلاح أبناء العشائر الفردي ولا بصفقة القرن وتوابعها.