اراء و مقالات

«القدس العربي» «تتقصى» ما حصل في السلط الأردنية: «سردية» غياب «الموظف المختص» بمراقبة «الغاز الطبي» ولماذا «تعطل» الإنذار؟

لم يعرف الأردنيون قبلاً أن نقابة المهندسين راسلت الحكومة بهذا الشأن.

تبدأ سردية نقص الأوكسجين في مستشفى السلط الحكومي الأردني من جانب فني إجرائي وآخر بيروقراطي له علاقة بالكفاءات المهنية واختيار الموظفين.
كل الإشكال الذي حصل في الأردن وشغل جميع المؤسسات وأرفع المستويات له علاقة بالإجابة عن سؤالين صغيرين وبسيطين جداً.
السؤال الأول: أين غاب الموظف المسؤول عن المعدات الطبية في اللحظة التي نقصت فيها خزانات الأوكسجين مع نهاية الأسبوع، ولماذا حصل هذا الغياب؟
السؤال الثاني: أين تلاشت الاستجابة الفنية من قبل طاقم المستشفى عندما انطلقت إشارات وأصوات صفير الإنذار ثلاث مرات على الأقل في النظام الإلكتروني المعني حصرياً بمراقبة منسوب وكميات الغازات الطبية؟ ويفترض بالتحقيق طبعاً، سواء بتفصيله الجنائي أو حيثياته الفنية، أن يجيب عن كل الأسئلة.
لكن فيما يخص السؤالين الأخيرين تبرز، سياسياً وإدارياً وتشريعياً، الإثارة التي ترافق ملفات أكثر عمق وأهمية، مثل نوعية المديرين والموظفين الذين يتم اختيارهم، ونظام التشغيل الأردني برمته، وقصة تفريغ الكفاءات بعهد الحكومة السابقة والدكتور عمر الرزاز، وأنظمة مراقبة الأداء في القطاع العام، والبعد المناطقي في تعيين موظفين لا لزوم لهم، واسترخاء الرقابة البيروقراطية على الدوام ومراقبة التفاصيل.
تلك قضايا وملفات أكبر بكثير من وزير وحكومة، وتدل بعد حادثة السلط تحديداً، على الحاجة الملحة لثورة إدارية أعمق، وفقاً للتعبير الذي استعمله رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة.
لكن الحدث المؤلم ينبغي أن يفتح أيضاً ملف إدارة العطاءات في المقاولات والإنشاءات لمرافق الحكومة وما يتبعه من كودات التزام وصيانة وتركيب أنظمة، خلافاً طبعاً للتقصير الإداري والترهل الذي بدأ يلتهم سمعة المؤسسة البيروقراطية الأردنية العريقة ويحتاج، في رأي الخبير والوزير الدكتور محمد الحلايقة، إلى مقاربات إدارية جريئة تسعى لنفض الغبار والتكلس.
لكن في فهم ما جرى في مستشفى السلط تحديداً، وبعيداً عن حيثيات التحقيق التفصيلية، يمكن التمكن من التقاط روايات مفترضة تدل على مشكلات أساسية في الإدارة الغريب أنها استمرت رغم حالة الطوارئ الصحية بسبب الفايروس كورونا، الأمر الذي يقع بالتأكيد في نطاق المسؤولية الأدبية والسياسية لوزير الصحة المستقيل الدكتور نذير عبيدات، الذي استدعته النيابة أمس واستمعت لأقواله.
لكن مبكراً، تبرز بعض الإشارات المهمة في سرد رواية نقص الأوكسجين، فالرأي العام يكتشف فجأة مثلاً وعبر الطبيب المعروف الدكتور نائل زيدان مدير أحد المستشفيات الخاصة، بأن البنية التحتية للأنابيب التي تمرر الأوكسجين الطبي لأجهزة المستشفيات متهالكة وكانت تعاني، وأن الغازات الطبية من حيث التوريد محتكرة لشركة واحدة تتحكم في المسألة.
على قاعدة «اللهم اشهد أني قد بلغت» أعلن الدكتور المصالحة أنه أبلغ في اجتماع رسمي، وزير الصحة والأمين العام عن هذه المشكلة وخطورتها، وعن الحاجة بسبب الضغط الكبير إلى تقييم وتحديث أنظمة ضخ الغازات الطبية في مستشفيات القطاعين العام والخاص.
قبل حادثة السلط، لم يكن الرأي العام يعرف شيئاً عما تحدث عنه الدكتور المصالحة. وقبل حادثة السلط أيضاً، لم يكن الشارع يعلم تلك الإشارة الفنية المهمة الصادرة عن النقابي البارز المهندس عبد الله غوشة، والتي تتحدث عن كودات لتشغيل الأنظمة بالمقاولات، وتتطلب في المرافق الصحية وجود مختصين بهندسة المعدات الطبية طوال 24 ساعة، خصوصاً في أوقات الطوارئ والضغط، حسب المهندس غوشة.
لم يعرف الأردنيون قبلاً أن نقابة المهندسين راسلت الحكومة بهذا الشأن.
الأهم في التفاصيل المتعلقة بالمراقبة والدوام – وهنا تكمن المسؤولية الإدارية – هو أن المستشفى الذي حصل فيه التقصير ووفقاً لمعلومات جمعتها «القدس العربي» من مختصين بالغاز الطبي، يدير فيه أمور الصيانة طاقم صغير جداً.
والمسؤول عنه لم يكن مع نهاية الأسبوع في الدوام الرسمي، في الوقت الذي شهدت فيه نهاية الأسبوع ضغطاً في حالات الإدخال لمرضى كورونا، وهو مسؤول طبعاً تم إيقافه لأغراض التحقيق، لكن يبدو أن هناك نقصاً في الكوادر؛ فالموظف المشار إليه لا يستطيع الدوام 24 ساعة على مدار الأسبوع، وإدارة المستشفى تتغاضى عن تهرب بعض موظفي الصيانة من الدوام قبل الساعة الثالثة من عصر يوم الخميس أسبوعياً.. هنا أيضاً مشكلة رقابة إدارية.
غير معروف، بعدُ، ما حصل عندما نقصت خزانات الغاز الطبي وكيف تجاهلت أطقم الصيانة والتمريض وغرف الإنعاش والطوارئ بشكل مستمر إشارات التحذير على الشبكة الإلكترونية واللوحة المختصة.
يبدو ودون الغرق في الاستنتاجات والتحقيق، أن خزانات الغاز الطبي في مستشفى السلط وتحت ضغط الحالات الواردة من المصابين نقصت فيما الموظف المختص إما غير موجود أو لم يقم بواجبه، لكنها استمرت في النقص وأطلقت الإنذار الإلكتروني المعهود ولم يتنبه أحد، حيث يوجد بروتوكول في مسألة الغاز من الواضح أن أحداً في الحادثة الأخيرة لم ينتبه له أو يلتزم به.
تلك قصة ما حدث في واقعة نقص الأوكسجين، فالتساهل في بروتوكول تعبئة ونفاد نظام الغاز الطبي نتج عنه جريمة كبيرة أودت بحياة 7 مواطنين.
لكن الجريمة الأكبر اختصرها الرئيس الخصاونة عندما لمّح إلى ضرورة استعادة ثقة الشعب بالمؤسسات. وبالتالي، قد تكون القصة برمتها بدأت من تجاهل موظف ما لدوامه الرسمي مع نهاية الأسبوع، ثم فشل الهرم الإداري فوقه بمتابعته، لكنها انتهت اليوم بأزمة وطنية وكبيرة جداً دفعت بحادثة نقص الأوكسجين في الأردن إلى قائمة الأخبار العالمية.
وانتهت أيضاً برؤوس كبيرة ووزارية تدحرجت، وأخرى ستتدحرج بالتأكيد وبانفعال بالجملة البرلمانية، وببدء طي صفحة الحكومة الحالية وللأسف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى