إسرائيل تواجه «تكشيرة» أردنية والاستخبارات تحاول الاستدراك… اللبدي ومرعي «أسيران» خلطا أوراق «وادي عربة»
دعوات للاحتفال وعقد جلسة برلمان في «الأرض المحررة» في الباقورة والغمر
لا أحد يستطيع توقع ما الذي سيفعله رئيس ما يسمى بمجلس الأمن القومي الإسرائيلي ضابط الاستخبارات «مئير بن شباط» في عمان إذا ما خطط هو ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لـ»ترقيع» ما يمكن ترقيعه على صعيد علاقات تتهاوى وبسرعة بين الجانبين.
الأردن، شريك السلام الذي كان دافئاً، ولأول مرة منذ توقيع اتفاقية وادي عربة عام 1994، يتصرف مع إسرائيل بخشونة دبلوماسية وسياسية، بل وأمنية إلى حد ما عندما يتعلق الأمر بمتسلل شاب عبر الحدود نحو الأردن وتحفظت عليه السلطات الأمنية وتكتمت على التفاصيل.
خلافاً لرواية والدة الشاب المتسلل التي تصفه بأنه «مريض نفسي ضل طريقه» وعبر الحدود الشرعية إلى غور الأردن من مستوطنة مجاورة، يمكن اعتبار أن إبلاغ تل أبيب بمسؤول استخباراتي رفيع المستوى سيحضر إلى عمان لمتابعة مسألة المتسلل إياه مؤشر حيوي على أن المسألة قد لا تتعلق فقط بمختل نفسي عبر الحدود بالخطأ.
لأسباب موضوعية وسياسية متعددة يمكن هضمها، وإن كانت غير معلنة، بدأت الحكومة الأردنية تتعامل مع حادثة المتسلل الإسرائيلي بندية وعلى أساس أنه «أسير» من الصعب الإفراج عنه وتسليمه للإسرائيليين دون مقايضة أو ثمن مقابل. في الأثناء، سحبت عمان سفيرها في تل أبيب، وسيبقى قليلاً من الوقت تحت عنوان الإصرار العنيد على الإفراج عن الأسيرين الأردنيين عبد الرحمن مرعي وهبة اللبدي.
مؤخراً، تقدمت الاستخبارات الإسرائيلية بمجاملة صغيرة عندما نقلت الأسيرة اللبدي من زنزانة انفرادية إلى مركز طبي، وبدأت تصدر الأوراق والتقارير التي توحي بأن تل أبيب تتفاعل بقدر من المرونة اليوم مع التكشيرة الأردنية والتي بدورها تنطوي على مجازفة الند المضطر.
لم تستخدم السلطات الأردنية الرسمية أي مفردة أو تعبير يصف المتسلل المختل بأنه «أسير»، لكن التعامل معه باعتباره كذلك وعلى أساس مقايضته بأسرى أردنيين في سجون إسرائيل تسلل من الفم الرسمي والبيروقراطي الأردني على لسان برلمانيين أقرب السلطات، من بينهم نضال الطعاني مسؤول لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب. ومن بينهم أيضاً القطب البرلماني خليل عطية، وبعده النائبان قيس زيادين وطارق خوري.
المشهد في قياسات الخارجية الأردنية تم تركيبه قصداً على أساس معادلة لن يقبل الشارع الأردني أقل منها، بوضوح، وفي حدث نادر قوامه تسليم المتسلل مقابل الإفراج عن الأسرين مرعي واللبدي على الأقل.
هذا هو السيناريو، بعد ظهر الأحد، بعدما تفاعلت المؤسسة الأمنية في الجانبين مع بعضهما.
ومن المرجح أن حكومة الأردن ستدفع ثمناً غالياً في الداخل إذا ما خضعت لضغط الإسرائيليين وسلمت المتسلل إياه دون مقايضته باللبدي ومرعي على الأقل. لكن هذه المعادلة تظهر للإسرائيليين الوجه الآخر للدولة الأردنية إذا ما أصر العمق الإسرائيلي على السماح لليمين المتطرف وحكومته بتجاهل أسس الشراكة في عملية السلام وتبادل المعلومات ومراقبة الحدود.
يبدو اختباراً قاسياً للغاية بين الجانبين، والأردن يحاول – بعد إنعاش الأمريكيين لذاكرة دوره في التصدي للإرهاب في المنطقة – أن يستثمر في الخشونة ويظهر قدراً من الندية في وجه الإسرائيليين، بعدما عاندت المخابرات الإسرائيلية سفارة عمان في تل أبيب نحو شهرين، ورفضت تقديم رعاية صحية للأسيرين مرعي واللبدي وتشددت في مسألة الإفراج عنهما، لا بل أحرجت الأردن حكومة وشعباً عندما دفعت باتجاه تجديد توقيفهما إداريا دون تهمة رغم الأخطار الصحية على حياتهما، فمرعي مصاب بالسرطان، واللبدي لديها خلل في كيمياء الدم ووظائف الجسد جراء التعسف في الاعتقال والتحقيق.
بالمعنى السياسي، لا يجازف الأردن هنا، فهو وفقاً لما قاله في الماضي وزير الخارجية أيمن الصفدي لـ «القدس العربي»، يتصرف مع إسرائيل وغيرها ضمن مضمون أخلاقيات القوانين الدولية، وهو أمر لا تحترمه حكومة نتنياهو، وقد ثبت أنها لا تفعل برأي الصفدي في حادثة تسليم الدبلوماسي الإسرائيلي القاتل ضمن سياقات حادثة الرابية الشهيرة.
وبالمعنى نفسه، وفي ظل عدم تعاون إسرائيل وانقلاب عمقها على مصالح الأردنيين، وابتزازات وضغوطات بما يسمى صفقة القرن، أصبحت عمان في معادلة تؤكد بأنها خاسرة بكل الأحوال ولا مزيد من الخسائر في حال التصعيد الدبلوماسي مع الإسرائيليين.
أديرت مواجهة الأسيرين، مرعي واللبدي، رسمياً بهذه الذهنية، وتشددت الناطق الرسمي باسم الحكومة الوزيرة جمانة غنيمات وهي تؤكد عدم تجديد عقد تأجير أراضي الباقورة والغمر، مع التلميح إلى أن الحكومة تستعد للاحتفال بتسليم هذه الأراضي في الموعد القانوني المقرر، وهو العاشر من الشهر الجاري.
يفترض هنا أن يتسلم الأردن أرضه المحررة في الباقورة والغمر بموجب اتفاقية وادي عربة بعد ستة أيام من اليوم الإثنين فقط، الأمر الذي يسطر ولأول مرة مناكفة من الطراز الرفيع من قبل الأردن لليمين الإسرائيلي بصورة تضعف هوامشه الانتخابية بعد تحرشه أكثر من مرة بدور الأردن في القدس وفي الوصاية الهاشمية.
يكمل قطب البرلمان الأردني الإسلامي، صالح العرموطي، هذه الجملة التكتيكية المناكفة بدعوته إلى عقد اجتماع مجلس النواب المقبل في أرض الباقورة والغمر المستعادة من الاحتلال. العرموطي، ودون اعتراض من الحكومة، طلب من جميع وسائل الإعلام والأحزاب ومؤسسات الشعب الأردني التجمع يوم استلام الأرض للاحتفال بهذه المناسبة الوطنية.