الأردن: الموالاة والمعارضة تستثمران في «أزمة التعليم»… و«تغيير النهج» هدف يغري الجميع
جمعة «صعبة»… والمشهد المطلوب بحده الأدنى: «معلم يستعيد كرامته وحكومة تخضع أو ترحل»
عادت وارتفعت، عشية الجمعة، مؤشرات التهامس والتعاطي مع يوم مختلف بعنوان زخم محتمل في حراكات الشارع. ولا يمكن قراءة هذه المؤشرات باعتبارها «نبأ ساراً»، خصوصاً أن ملاذ الاحتواء اليتيم والمرتبط بارتفاع تكهنات التعديل الوزاري على الحكومة قد يخفق في مهمته، ليس فقط بسبب استمرار المواجهة مع نقابة المعلمين. ولكن الأهم بسبب انتقال المواجهة ذاتها إلى مسار وطني.
لذلك، ومن مساء أمس الأول، الأربعاء، تتسرب المعطيات الأمنية التي تتحدث عن اعتصامات محتملة في بعض الأطراف والمحافظات قد تأخذ شكلاً له علاقة بحراك المعلمين وأزمة إضرابهم، حتى وإن كان الهدف والصيغة أعمق وأبعد.
التقط قائد حراك المعلمين الأردنيين، الدكتور ناصر النواصرة، رسالة تعميم وطنية في أزمته مع الحكومة، مبكراً، عندما وجه خطاباً بعد ظهر الأربعاء يطالب المعلمين في مدينتي الزرقاء والمفرق تحديداً، شرقي البلاد، بالتعبير عن تضامنهم وفي الشارع. وحتى يمرر النواصرة أحد أكثر توجيهاته دهاء سياسياً، طلب من المعلمين أيضاً، في رسالة تظهر الانضباط المرسوم قصداً، عدم التجمع أمام مقرات القضاء بهدف التضامن مع أعضاء مجلس النقابة الذين استدعاهم الادعاء العام بناء على شكوى من مواطنين وأهال في الاتجاه المعاكس للإضراب. ويمكن القول سياسياً على الأقل إن النواصرة ونقابته يعرفان ما الذي يفعلانه عبر التأشير على مدينتي الزرقاء والمفرق باعتبارهما إكمالاً لحلقة اعتصام معلمين مماثل في مدينة إربد شمال البلاد، وفي مدينة الكرك جنوبها. والرسالة هنا واضحة بامتياز، وتقول عبرها النقابة بأن حركة المعلمين أفقية وليست عمودية فقط، بمعنى أن مطالب النقابة تمثل هيئاتها في كل المحافظات، شمالاً وجنوباً وشرقاً وفي الوسط. وبمعنى أن منع الاعتصام في قلب العاصمة عمان، على الدوار الرابع تحديداً، لا يعني عدم إمكانية التحرك في المركز والأطراف في الوقت نفسه.
في كل حال، تسعى النقابة هنا لتأشير سياسي على أن مطالبها وحراكها عابران لكل الشرائح والمكونات، بما فيها تلك التي في مدينة الكثافة السكانية مثل الزرقاء، وكذلك المناطق الشرقية مثل مدينة المفرق، حيث ثمانية آلاف معلم على الأقل سبق أن توعدوا النواب وممثلي الانتخابات والمرشحين في محافظتهم.
لافت جداً هنا أن نقابة المعلمين بدأت تؤسس لحراك الفروع. وهذا وضع ميداني تكتيكي، أكثر ما يقلق السلطات فيه بأنه قد يجذب بقية الحراكات في مرحلة اقتصادية حرجة وحساسة. وقد يجذب أيضاً شرائح متعددة غاضبة أو محتقنة. وحتى في كادر القطاع العام، الأمر الذي يعني بأن الشرائح النشطة، في السياق، بالعاصمة عمان يمكنها المشاركة بدورها في أي حفل حراكي لاحقاً وبصورة تخدم الأجندة التي تؤمن اليوم، سواء داخل أقنية الدولة أو في بعض تعبيرات الشارع والنخبة، بأن حركة المعلمين المرحلية ينبغي أن تؤدي إلى «تغيير ملموس وأكيد في النهج».
تلك، بطبيعة الحال، محطة مغرقة في الحساسية، لا تحب الحكومة ولا تفضل التحدث عنها ولا تأملها، خصوصاً أن العديد من الشخصيات الرسمية أو المحسوبة على الصف الرسمي والدولة تجد في كفاح المعلمين الحالي فرصة للتغيير أو الإصلاح.
وهي، في كل حال هنا، فرصة لا تتاح من داخل القرار أو عبر المشاركة في رسم السياسات، حيث انفلاتات على المستوى الحكومي وتقلبات تنفيذية ترهق عقل الدولة ومركزها اليوم أكثر من إرهاقها للناس والنخب.
يعني ذلك منطقة تزاحم ليس لأجندات بعض تيارات المعارضة فقط، بل لطموحات واتجاهات مستويات متعددة في الصف المؤسساتي، ولاتجاهات موازية في الشارع وسط اعتبارات وجد المعلمون أنفسهم اليوم في عمقها ووسطها وبدون -بطبيعة الحال- أي مبادرة لتسييس مطلبهم المعيشي أو تقصد.
ذلك حصرياً هو الحلقة المفقودة أو «المسكوت عنه» في تجاذبات ما بعد أزمة اليوم، دفن نقيب المعلمين الراحل الدكتور أحمد الحجايا.
لا علاقة لغالبية المعلمين الساحقة بصناعة وتأسيس مثل هذا الازدحام الضار.
وكل العلاقة لجميع الأطراف الأخرى في الدولة وخارجها التي جربت حظوظها في التوظيف والاستثمار بأزمة رواتب المعلمين. وهي تجربة أظهرت هشاشة السلطة الحكومية في الاحتواء والمتابعة.
كما كشفت عن هشاشة اجتماعية في تقدير حجم تحديات المرحلة، حتى وإن كانت هشاشة من النوع الذي لا يمكن اتهامه أو إدانته بسبب سلسلة من المجازفات والمغامرات المراهقة لحلقات التنفيذ في مستويات القرار بالإدارة العليا لبعض المؤسسات.
الأزمة اليوم، بهذا المعنى، لا تزال حمالة أوجه، والانطباع يزيد عند شرائح لم تكن في حسابات الاعتصام أو الحراك بقدر ما كانت دوماً في حسابات الولاء التقليدي، وضمن انحيازات الدولة بأن المطلوب وطنياً لتغيير النهج إجبارياً مشهد بعنوان «معلم يستعيد كرامته وحكومة تخضع أو ترحل».
ثمة في قواعد لعبة المسكوت عنه ما يوحي بهذه النمطية من التوظيف والاستثمار بصيغة تبرر استمرار الإضراب وقرب دخوله للأسبوع الثالث وغياب المبادرات، مع أن الحلقات الأكثر غموضاً في المشهد برمته لم تظهر بعد على الأقل للعامة والجمهور الذي يراقب بدوره ويصفق لمغامرة المعلمـين، أحياناً بحماسة وأحيـاناً أخرى بفتور.