الأردن بانتظار «السفير هنري»: اختبار مقولة «لنصلح أنفسنا قبل أن يتدخل الأمريكيون وغيرهم»
سؤال كلفة «الإصلاح» اليوم هو الأهم و«حراك ملكي» يتخلل التفاصيل
يسمعها المراقب والمهتم «همساً» في عدد كبير من أروقة القرار والنخب الأردنية. ويسمعها الملاحظ أيضاً حتى في اجتماعات السياسيين وولائمهم ومزارعهم… «لننتظر حتى نرى ما في جعبة هنري». اسم هنري يتردد على ألسنة علية القوم وخبراء التشبيك السياسي في عمق العاصمة عمان.. من هو هذا الرجل؟
الحديث طبعاً عن السفير الأمريكي المعين حديثاً للأردن «هنري ووستر».
الجميع في عمان على نحو أو آخر بانتظار هنري، الذي سبق أن خدم في المنطقة وفي عمان، وعين سفيراً فوق العادة من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبأجندة وصلاحيات أوسع، ويفترض أن يتسلم مهام عمله ميدانياً في شهر شباط/فبراير الوشيك وبعد إنجاز معاملات التصديق في لجان الكونغرس.
الاعتقاد واسع في الأردن بأن هنري عين سفيراً في عمان لسبب أصلاً، وسيأتي بأجندة محددة ومرسومة على مقياس الحزب الجمهوري الحاكم، وكذلك على مقياس طاقم الرئيس ترامب وخصم الأردن الأبرز منه، صهره جاريد كوشنر، الذي تعرض لنوع من التوبيخ في اجتماع رسمي عندما قيل له بأن الأردن لا يتحدث بلهجتين في مسألة الملف الفلسطيني، وعندما وجهت صفعة أردنية لمشروعه في مؤتمر المنامة الشهيرحراك ملكي
الانطباع الأهم أن هنري يتم إيفاده وتعيينه في عمان ضمن أجندة مقلقة وحساسة، وبرنامج عمل مرهق مبني على أساس نجاح ترامب في الولاية الرئاسية الثانية، وأيضاً على أساس – وهنا يكمن الرعب السياسي الأردني عملياً – ترتيبات ما يسمى بصفقة القرن.
بعيداً عن هنري، وفي الهامش، لا يلتقط المستوى التنفيذي والحكومي في النخبة الأردنية الرسالة التي يوجهها مركز القرار الملكي وبوضوح لجميع الأردنيين ومنذ أشهر بعنوان: التقدم بمبادرات وطنية لإصلاح أنفسنا ومعالجة مشكلاتنا حتى لا نغرق في بحر وصفات الإصلاح التي يقترحها الآخرون.
تلك على نحو أو آخر ملاحظة تسجل علناً، والحق يقال لوزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر الذي يقترح، منذ سنوات، حزمة إصلاح وطنية في كل الاتجاهات تعفي البلاد والعباد من تدخل الأمريكيين أو الأوروبيين أو غيرهم.
سمعت «القدس العربي» مباشرة من المعشر، مرات عدة، دعوته المتواصلة إلى أن يعالج الأردنيون مظاهر الاختلال داخلياً عندهم قبل أن تدخل أجندات سياسية خارجية لتقترح المعالجة وتتسرب حساباتها بمعزل عن السياق الوطني. ودفع المعشر ويدفع ثمن مثل هذه الاقتراحات الجريئة.
لكن، ومن لحظة ولادة مبادرة ملكية باسم حماية الاقتصاد الوطني وبصمات الحراك الملكي النشط جداً في الملفات الداخلية من عدة أسابيع، بدا أن القيادة تحاول لفت نظر الحكومة والمسؤولين إلى أن إصلاح مظاهر الخلل الداخلية، بما في ذلك الاستعداد لمرحلة فطام المساعدات العربية أو غيرها، باتت استراتيجية عمل مهمة وأساسية. هنا يتحرك الملك شخصياً ببصمات عميقة في كل الاتجاهات والمسارات خارج البلاد وداخلها، على أمل تأسيس حالة اشتباك وطنية مع التفاصيل في مرحلة حساسة جداً إقليمياً ودولياً.
وهنا أيضاً تفلت التفاصيل التي تتحدث عنها الرؤية المرجعية في المسار الإصلاحي من الحكومة وأجهزتها وتوابعها، وأحياناً من السلطات التنفيذية في ثغرات – بيروقراطياً – يمكن أن تمنح السفراء الأجانب قوة إضافية في المعادلة الداخلية كان يمكن الاستغناء عنها، الأمر الذي يربطه الخبراء بحالة التوجس من الأجندة التي سيحضر بها إلى عمان السفير الأمريكي الجديد هنري ووستر، الذي يتردد اسمه خلف الستارة اليوم بكل مكان.
ويتردد الاسم نفسه لسبب آخر أيضاً، فالطاقم السياسي والأمني في سفارة واشنطن بالعاصمة الأردنية يتحرك في الأفق المحلي، ويشتبك مع الأحزاب والحراكات والشخصيات، ويطرح أسئلة محرجة، ويغرق في التفاصيل محلية الطابع بصيغة تمهد الأرض لأشغال وأعمال السفير هنري الذي يتردد بأنه قادم لعمان بصلاحيات واسعة قد تكون مزعجة، وطبعاً في مرحلة حساسة.
الهامش واضح وملموس بين خطاب الجاهزية الإصلاحية الذي يتبناه الملك ويأمر به، خصوصاً في مجال الإنصاف الاجتماعي وإزالة عوائق الاستثمار وتحفيز البيئة الاقتصادية، وفي مجال الحوار مع بنية المجتمع والعشائر في الداخل، وبين تصرفات الحكومة والمسؤولين والوزراء في الاتجاه المعاكس.
تلك مفارقة لم يعد من الممكن إنكارها، وقد سجلها تقرير حالة البلاد للعام 2019 عندما اقترح باسم المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وهو مؤسسة رسمية بالمناسبة، بأن تراجع الإدارة العليا وقطاع الخدمات في الدولة مستمر ومتواصل، وبأن المرحلة الانتقالية في جزئية التحول الديمقراطي طالت جداً منذ عام 1989 وبدأت تدخل في عقدها الرابع.
الأمريكيون، وقبل حضور السفير هنري، يتحدثون عن الفساد في الأردن وعن الرشوة وعن الترهل البيروقراطي وعن تأثير المال السياسي ورموز المقاولات في البرلمان، وعن غياب بعض مظاهر الإنصاف في التمثيل السياسي، ويضغطون بشدة في مجالات التهريب والضريبة والجمارك وإعاقة الاستثمار بعد قضية السجائر. ويعني ذلك أن السفير هنري سيحضر إلى عمان مزنراً بتقارير وانطباعات وليس صدفة أن بعض الملفات هي التي يحاول القرار ترتيبها وتنظيمها قبل أن يتحدث عنها الآخرون في الخارج.
وليس صدفة أن الفارق لا يزال صامداً بين منسوب العمق في التوجيه المرجعي ومستوى الاستجابة في الإطار التنفيذي والحكومي، لأن الحلقات الوسيطة بقيت خاملة، وكلفة الإصلاح باتت باهظة، وأيضاً لأن المفاصل الإدارية تكلست. ثمة خطة واتجاه ورغبة في معالجة الخلل. لكن لا يزال الجميع بانتظار هنري.