الأردن: بعد تهمة «الأخونة»… الأطباء والمهندسون «خنقوا» المعلمين و«غصن ملكي» حاول إنزال الجميع عن الشجرة
أخيراً قرر المعلمون التمسك بأول «غصن ملكي» يصلهم على أمل النزول عن الشجرة بعدما تحولت قضيتهم لرأي عام محلي وعربي إثر نجاح اليوم الثاني من الإضراب العام في مدارس المملكة الأردنية وسط مؤشرات غير مشجعة من قبل طاقم إدارة الأزمة الحكومي.
وتجنبت الحكومة الرد على البيان المسائي لنقابة المعلمين، الذي عبر عن تثمين دعوة الملك عبدالله الثاني لـ»الحوار» من أجل مصلحة الطلبة، وقالت إنها مستعدة للحوار والوصول إلى اتفاق يرضي الجميع، والأهم من دون «شروط مسبقة». تلك بادرة من النقابة، التي قادت الشارع الأردني خلال الأيام الخمسة الماضية، قد تساهم إذا ما تجاوبت الحكومة في النزول عن شجرة الاعتصام الذي تحول إلى إضراب وحالة تأزيم في مختلف الاتجاهات والمكونات، وسط شكوك بأن الحكومة لديها من المال ما يكفي فعلاً لزيادة رواتب المعلمين.
المبادرة الملكية الداعية للحوار تجاوبت معها نقابة المعلمين بعد أقل من 24 ساعة، لكنها أضعفت فوراً هامش المناورة عند الحكومة، التي يترأسها وزير سابق للتربية والتعليم.
لم تصدر عن حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز أي ردة فعل على العرض الجديد للمعلمين، على لسان الناطق الرسمي باسم النقابة، فيما غاب قليلاً عن الأضواء النقيب بالوكالة والمتهم رسمياً بالتوتير والتأزيم، ناصر النواصرة، أحد الكوادر المتقدمة في الحركة الإسلامية.
وأصبح موقف النقابة أكثر مرونة فجأة بعد نجاح نسبي حققته السلطات الرسمية في «أخونة» حراك المعلمين وربطه في الكثير من التعبيرات الرسمية بالإخوان المسلمين، رغم أن الجماعة الإخوانية جزء من نقابة المعلمين وحراكهم وليست مكوناً أساسياً في المشهد.
تنحت جماعة الإخوان عن الواجهة وساهمت لاحقاً في «مرونة» النقابة بمسؤولية. وصدر عن القصر الملكي ما يوحي بالعودة لطاولة الحوار بعد سلسلة مشاهد وصفها الوزير الأسبق، محمد داوودية، بأنها «مؤلمة جداً» عن صفوف خالية من التلاميذ وارتباك في الحياة العامة والعام الدراسي وبالتوازي مع بروز وجهات نظر عدة حتى داخل مجلس نقابة المعلمين ومجلسها المركزي.
وبدأ إضراب المدارس والمعلمين يراكم في أزمة داخلية مستعصية ومتراكمة في جوانبها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً مع دعوة معلمين خلال الإضراب لصيانة المدارس بدلاً من حصص تدريس التلاميذ. ويبدو أن النقابة بدلت وغيرت في لهجتها وتنازلت عن شروطها المعلنة مستظلة بالموقف العلني الملكي، على أمل أن تتقدم الحكومة باتفاق يرضي الهيئة العامة وجموع المعلمين. لكن النقابة لاحظت أن السلطات لم تقدم أي اعتذار عن حالات وتجاوزات على كرامة المعلمين، خصوصاً عند تطبيق تعليمات القبضة الأمنية الخشـنة.
وسعت النقابة باهتمام بالغ لمسافة ما بين سلوكها واجتماعاتها وبين الحرص على إفشال أي محاولة لربط المسألة المهنية بالأجندة السياسية للإخوان المسلمين بعد ملاحظة جملة «متخابثة» في الإعلام الرسمي وعبر الأقلام المحسوبة على الصف الحكومي تحاول التركيز على «أخونة» مطالب المعلمين بالعلاوة. وكان النقيب النواصرة قد هدد في حال اتخاذ قرار بحل مجلس النقابة لتعطيل الإضراب بالتحول من حراك مهني إلى حـراك آخر، وهو تصـريح نقل بكثافة عن الرجـل دون أن يثـبت رسـمياً.
وفي كل حال، بدأ في المقابل مجلس النواب يتحدث عن وساطة ومبادرات لمعالجة الأزمة التي ستكون مكلفة جداً بكل الأحوال وبصرف النظر عن النتائج. وقدم آخر خطاب للنقابة مرافعة تلفت النظر بأن المقصود من اعتصام المعلمين كان مطلباً مهنياً وليس إنتاج «أزمة وطنية» سرعان ما يركز عليها الإعلام العربي والعالمي، خصوصاً وأن التعاطف الشعبي الكبير مع المعلمين، خصوصاً بعد المبالغة الأمنية في التصدي لاعتصامهم الخميس الماضي، تأثر على الأرجح نسبياً بخطاب أخونة النشاط أولاً. وفي البيانات المتذاكية التي صدرت عن نقابتي المهندسين والأطباء بالتزامن، والتي تطالب بدورها بـ»علاوات مهنية» متفق عليها سابقاً مع وزراء سابقين.
ويعتقد على نطاق واسع بأن تقدم نقابتان ضخمتان، مثل نقابتي الأطباء والمهندسين، بمطالب لها علاقة بعلاوة معنية بالتزامن مع حراك شارع المعلمين من الأسباب التي قلصت الهامش أمام نقابة المعلمين وخدمت بالنتيجة الموقف الرسمي، حيث تتحدث الحكومة عن عدم وجود «مخصصات» مالية لأغراض إسناد الرواتب وزيادتها. ويفترض الآن، بعد كل هذه التداعيات والتطورات، أن تلتقط الحكومة بدورها الرسالة وتبني عليها في إطار تكتيكي يعفي جميع الأطراف من كلفة الاسترسال في البقاء بحالة الاستعصاء. على الأقل هذا ما يمكن فهمه من «اللهجة» الجديدة التي تحدثت بها نقابة المعلمين الأردنيين، أمس.