الأردن: «تحطيب» سياسي بعنوان «تأجيل الانتخابات» وتجاذب مجدداً بين مراكز قوى
الرزاز وسط تسريبات «التعديل الوزاري» وأجندة البقاء لـ «فترة أطول»
بدأت لعبة «التمديد» لولاية البرلمان الحالي في الأردن، وبالتالي تأجيل الاستحقاق الانتخابي في الربع الأخير من العام الحالي، تتخذ شكلاً أكثر استقطاباً وسط خيارات مفتوحة سياسياً مجدداً، وملامح تعزز القناعة بأن رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز راغب في «البقاء» في السلطة وإكمال برنامجه و»بأي ثمن».
قد لا تتيح مراكز القوى للرزاز وطاقمه فرصة التعايش مع تمديد عمر الحكومة الحالية، إلا إذا منح الإذن والضوء الأخضر لإجراء تعديل وزاري جديد على طاقمه بدأت التسريبات بخصوصه من مواقع إلكترونية مقربة لمكتب رئيس الحكومة. والقناعة مستقرة بأن حكومة الرزاز قد تنفذ بأجندتها بخصوص منح البرلمان الحالي «سنة إضافية ومجانية»، وبالتالي البقاء لفترة أطول ليس بسبب ممانعة من أي نوع لسيناريو تأجيل الانتخابات، ولكن بسبب اهتمام وانشغال المستوى الأمني بالأولويات المباشرة، وسعيه لعدم مزاحمة رئيس الوزراء بخياراته، وبسبب عدم وجود مركز قوة بالمقابل في مؤسسة القصر الملكي يجتهد في الملف السياسي بصورة توازن وتعادل الخيار الحكومي.
في كل حال، من المبكر القول بأن الرزاز بصدد «طي صفحة» تعديله الوزاري. ومن المبكر أيضاً القول بأن أجندة تمديد ولاية البرلمان وتأجيل الانتخابات دخلت فعلاً حيز التفاعل في أعمق مؤسسات القرار، فالخيار المرجعي حتى الآن، كما فهمت «القدس العربي»، عدم وجود مبرر من أي نوع لتأجيل الاستحقاق الانتخابي، برفقة التركيز على أن الدولة أجريت فيها الانتخابات دوماً من دون تأجيل في ظروف صعبة.
بمعنى سياسي آخر، مسألة الاستحقاق الانتخابي دخلت في سياق تقاطعات التجاذب بين كبار أفراد النخبة السياسية ومراكز القوى التي يحتل الرئيس الرزاز اليوم موقعاً متقدماً فيها بالرغم من كل ما يقال عن أداء سلس وتعفف عن المزاحمة وسعي للابتعاد عن المكاتفة وحرص على «تسلل ناعم» إلى جميع التفاصيل.
وهذا النمط من التجاذب ينبغي أن يحسم في إطار تصور شمولي أوسع وأعمق، له علاقة بتغيير قواعد خطة واتجاه الإصلاح، كما يؤكد لـ»القدس العربي» سياسي وخبير اقتصادي بخبرة عميقة من وزن الدكتور محمد الحلايقة، نائب رئيس الوزراء الأسبق.
الحلايقة يجدد التأكيد على أن خيارات البوصلة الاقتصادية ينبغي أن تدرس بعناية، وبحاجة إلى جرعة من الجرأة في تحديد الاتجاه، فيما ملف تمتين الجبهة الداخلية وسط الظرف الإقليمي الصعب والحساس يحتاج وبعمق إلى «إجراءات» في المسار الإصلاحي وليس لكلام فقط من الحكومات.
لكن الرزاز كان قد أبلغ شخصيات وزارية سابقاً بأن حكومته لا تريد الاشتباك مع ملف الإصلاح السياسي، معتبراً أن مصالح الدولة مع منظومة دول الخليج مثلاً تتأثر سلباً بعملية انتخابية واسعة تخدم تيار الأخوان المسلمين.
والرأي الأخير ليس بالضرورة أن يمثل حقائق الأمور ووقائعها، لكن الذريعة التي تستخدم دوماً ضد الانتخابات النظيفة والاستحقاق الدستوري هي «فوبيا» التيار الإسلامي التي زادت خصوصاً بعد استعراض نقابة المعلمين الشهير.
وهي أيضاً فوبيا لم تعد مقنعة، وليست أكثر من ذريعة لإقصاء الإصلاح الحقيقي، كما يقدر القيادي الإسلامي الشيخ زكي بني ارشيد، وهو يوافق على الاستنتاج القائل بأن الدولة تكسب وليس الشارع أو القوى الحزبية فقط اليوم عبر المسار الإصلاحي.
بهذا المعنى، يصبح الحديث عن تأجيل الاستحقاق الانتخابي وتمديد ولاية البرلمان الحالي أقرب إلى صيغة «تحطيب» سياسي له علاقة بأهداف صغيرة جداً على قدر مصلحة الحكومة الحالية ورغبة رئيسها في البقاء لفترة أطول، وإن كان الثمن المجازفة بكلفة عالية وسمعة ليست طيبة تهز ثقة الرأي العام إذا ما تم تأجيل الانتخابات فعلاً.
وهنا يحاول عدد محدود من كبار المسؤولين في السياق الوطني التأشير على سلبيات خطة تأجيل الانتخابات، حيث التقليد السياسي وليس الدستوري يقضي بأن ترحل الحكومة تماماً وفوراً بعد رحيل البرلمان، ويتم تشكيل وزارة جديدة تشرف على تنظيم الانتخابات الجديدة.
طوال الوقت كان ذلك تقليداً لم يخالفه القرار السياسي ولا مرة واحدة منذ التحول الديمقراطي عام 1989.
وما يعتقد أن الرزاز يريده اليوم مخالفة هذا التقليد، حيث لا ينص الدستور على رحيل الحكومة بعد رحيل البرلمان أو الاتجاه نحو المسار البديل، وهو تعديل وزاري يرافق قراراً يعزف على «المخاوف الأمنية» بتمديد ولاية البرلمان وتأجيل الاستحقاق الانتخابي.
ثمة الآن تجاذب واضح في هذا السياق لا يمكن إلا رصده وتجنب نفيه، وهو تجاذب على شكل وجهتي نظر بخصوص «الخطوة التالية» بعد صفقة القرن في ترتيبات «الملف الداخلي» وبعنوان تنظيم الانتخابات بوقتها أو تأجيلها.
الخياران لهما كلفتهما، ولديهما حملة مباخر يحاولون تزيين أي منهما لصانع القرار.
لكن بالتوافق الوطني المسؤول، يمكن القول بأن «التمديد» رسالة قد تكون سلبية جداً في مرحلة حرجة، حتى وإن كان الهدف تمديد عمر حكومة الرزاز قليلاً على حساب «المصلحة الأعمق» بانتخابات من الصعب أن لا تكون نظيفة بالمحصلة.