:تبدو محاولة تظهر إلى حد كبير صعوبة الالتزام بالاتفاق الشهير بين حكومة الأردن ونقابة المعلمين.
بدأت أوساط المعلمين في الأطراف والمحافظات تهمس في التحدث عن “خديعة وتضليل” نتجت عن اعتقال وتوقيف ثلاثة من قياديي نقابة المعلمين في مدينة الكرك جنوبي البلاد.
بسبب هذا الاعتقال الناتج عن دعوة لها علاقة بالجرائم الالكترونية عاد مئات المعلمين إلى الشارع في اعتصام جديد على مستوى محلي في مدينة الكرك.
منابر المعلمين في شرح الاعتصام بدأت تتحدث عن خديعة، حيث نص اتفاق سابق في رأي المعلمين مع الحكومة عند إنهاء الإضراب الشهير على إلغاء كل المطالبات القانونية والقضائية بشأن المعلمين في مرحلة الاعتصام والإضراب.
الحكومة لها وجهة نظر أخرى، فالإطار القانوني لا يسمح لها بالتدخل في صلاحيات الجهاز القضائي ولا تملك منع مواطنين تضرروا من الاضراب وحراك المعلمين من اللجوء إلى القضاء.
لكن الحراك التعليمي يتحدث بدوره عن قرارات توقيف ليست ضرورية تصدر عن إدارة النيابة وليس عن سلطة القضاء بمعنى عن وزارة العدل.
الخلاف التجاذبي الجديد انتهى مجددا باعتصام صغير في الشارع الكركي، لكن مناخ الاحتقان عاد للمعلمين مع تداول أوساطهم لتسريبات تتحدث عن عقوبات إدارية وإحالات على التقاعد سيتخذها وزير التربية والتعليم الجديد تيسير النعيمي تحت بند الرد بأثر رجعي على تصعيد الهيئات التدريسية.
لا مجال عمليا لعودة المعلمين إلى الشارع بزخم.
ولا مجال أيضا لأن تتنكر الحكومة لالتزاماتها التي أنهت أشهر وأطول اضراب في تاريخ الأردن الحديث.
لكن في غرفة القرار تثير تلك الالتزامات جدلا عنيفا في بعض التفاصيل. فقد استمعت “القدس العربي” إلى رأي مباشر من أحد المسؤولين في الحكومة يتحدث فيه عن ضعف رواية الخضوع لنقابة المعلمين مع التأشير على أن الوفد الحكومي المفاوض لإنهاء الاضراب وخلافا للانطباع العام لم يقدم تنازلات مؤلمة أو خاضعة بقدر ما أدار التزامات للحكومة السابقة فقط.
حتى تلك الالتزامات أصبحت قيد الجدل الآن. فالفصل الدراسي الأول في منتصفه وملامح التصعيد تعود للأفق ولا أحد يستطيع تقديم وصفة الآن تتوقع اتجاه بوصلة احتقان وإلتهاب المعلمين بعد توقيف ثلاثة من زملائهم وسط الخشية من نكايات كيدية إدارية تطال بعض قياداتهم.
في المقابل لا تبدو السلطة معنية بأن تغفر سياسيا لا لنقابة المعلمين ولا للحركة الإسلامية ما حصل بداية الموسم الدراسي الجديد من تشكيل ضغط عنيف على الحكومة في ظرف حساس.
في أروقة القرار الحكومي الأمني ثمة من يؤمن بأن مشهد اعتصام واضراب المعلمين ينبغي أن لا يسمح له بالتكرار لا على صعيد المعلمين فقط بل على صعيد موظفي القطاع العام.
هنا أيضا تبرز اشكالية التعاطي الرسمي والأمني مع ملف الإخوان المسلمين أيضا، فهو لا يزال مفتوحا على احتمالات التصعيد، ووزير الداخلية المخضرم والمحنك سلامة حماد يجدد وعبر “القدس العربي” للمرة الثانية قناعته بأن الأصول القانونية ينبغي أن تحترم وأن حريات التعبير مصانة ومقدرة وهيبة القانون لن تسمح لها أو لا تسمح لها بالانفلات والخروج عن سكة الاجماع الوطني.
الوزير حماد كان أبرز دعاة إعادة القراءة بعمق لمشهد حراك المعلمين خلف الستارة وعلى أساس التقاليد القانونية فقط مع الحرص على عدم تحول أي مظاهر تعبير إلى اعتصامات مفتوحة.
في كل حال قياسا باجتهادات وتصورات بعض أركان الهيكل الأمني تبدو وجهة نظر الوزير حماد أكثر منهجية واعتدالا.
بالتوازي تبدو القراءة عشوائية حكوميا لمرحلة ما بعد تنفيذ الاتفاق الشهير مع نقابة المعلمين.
وبالتوازي أيضا أسباب الحراكات والاعتراضات متواصلة فقد تم احباط محاولة للإفراج عن ما يسميهم بالحراك لمعتقلي الرأي وعلى أساس أن الدولة ينبغي ان تتشدد وتظهر جديتها في التعاطي مع كل من يحاولون اختراق الخطوط الحمراء في الهتاف أو التحريض أو حتى النشاط السياسي.
بمعنى آخر عودة أي شريحة من المعلمين للشارع وبزخم سياسي تحتاج إلى خطة احتواء وقائية لكن المطالب تتكرر في السياقات والضائقة المعيشية والاقتصادية تحاول حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز احتوائها عبر سياسة حزمة حماية الاقتصاد الوطني وحزمة التسهيلات والإصلاحات.
إلى ان تستقر نتائج حزمة الرزاز التي يراد منها أن تخفف وطأة ارتفاع كلفة المعيشة أمام المواطنين، ستبقى بعض الشرائح في حال اعتصام في الشارع ومن بينهم معلمون غاضبون أو عاطلون عن العمل، في انتظار وظائف موعودة ضن سياسة التشغيل التي أعلنها الرزاز كاستراتيجية تحظى بالأولوية بالنسبة لحكومته.