الأردن: حراك شعبي «مشلول» يحاول «التوحد» مقابل «غيبوبة تكتيكية» لاستراتيجية «الاحتواء»
تقارب محسوب بين الإسلاميين ونشطاء و«تكلس» بالجملة في مفاصل الجهتين
لا يوجد جسم موحد فعلاً ومقنع باسم الحراك الشعبي الأردني. ورغم ذلك، ثمة مشاريع لتوحيد الحراكيين أو من يتقمصون هذه الصفة تعثر حتى الآن معظمها، ولا يوجد بينها روابط، رغم قناعة غالبية الأردنيين بأن الحراك الشعبي السلمي المنضبط والملتزم بأطر التعبير القانونية مطلب وطني وسياسي ملح، وضرورة للتغيير الإيجابي، ولإقناع مؤسسات القرار بالإصلاح السياسي الشامل. لكن الحاجة ملحة لطرح السؤال التالي بالتوازي: من الذي يقرع الجرس لإثبات حاجة الوطن للإصلاح؟
السؤال الأخير طرحه القيادي البارز في التيار الإسلامي، الشيخ زكي بني ارشيد، مبكراً في حضور «القدس العربي» في ندوة نظمها قبل فترة المنتدى العالمي للوسطية. آنذاك، كانت قد ولدت أفكار باسم توحيد الحراك الشعبي، وتوجهت وفود من عقلاء الحراكيين المسيسين لشخصيات بارزة أملاً في أن تساعد في توحيد الصفوف، ومن بين تلك الشخصيات رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات، والمعارض ليث شبيلات، وآخرون يهتمون بالملف، من بينهم الشيخ سالم الفلاحات.
أجهضت محاولات عدة باسم توحيد الحراك الشعبي وتأطيره بالرغم من وجود جسم جديد باسم هيئة تتحدث عن توحيد الحراك بدأ يتحرك واستقبل مؤخراً بعد إضراب المعلمين الشهير من قبل وفد قيادي يمثل جبهة العمل الإسلامي، أكبر أحزاب المعارضة. ولا يعرف المراقبون بعد ما الذي يمكن أن يقدمه الحزب الأكبر في البلاد، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، لحراكيين متفرقين لا تجمعهم أيديولوجيا ولا جسم موحد، ويعبرون عن تيارات وأفكار متنوعة في وقت حرج وحساس للغاية.
يبدو أن الحركة الإسلامية الأردنية، وبعدما طرحت مبادرة سياسية للإصلاح والتغيير منذ عدة أسابيع، تريد أن تكون على مسافة قريبة تستمع فيها لنبض الحراكيين الوطنيين، مع أن التيار الإسلامي حرص طوال الوقت ومنذ عام 2015 على التصرف في الشارع منفرداً وبعيداً عن الهيئات الحراكية التي تجد صعوبة في التجمع والتحشد تحت يافطة أو لافتة أو حتى فكرة واحدة، في الوقت الذي لا تتقدم فيه الدولة، بدورها، بوصفة تكتيكية أو استراتيجية للتعامل مع أي حراكات شعبية تبرز أو تولد بين الحين والآخر. ولا يثق حراكيون أوفياء للحراك الشعبي منذ عام 2011 لا بالإسلاميين ولا بنخب المعارضة الفردية.
وتترنح محاولات توحيد الشعار والهتاف ما بين المطلبي والمعيشي والسياسي بين الحين والآخر، ولا تشارك الأحزاب اليسارية والقومية ولا التيارات المدنية ومعها النقابات المهنية، إلا فيما ندر، ببعض النشاطات الحراكية تحت يافطة مضمون اقتصادي وطني أو سياسي أو حتى إقليمي. دون ذلك، تنتحل صفة الحراك المنظم الواعي من قبل مغامرين بين الحين والآخر.
كما تنتهك أحياناً حرمة المسار الوطني في التعبير الحراكي السلمي من قبل شبان أو غاضبين أو مواطنين غير مسيسين، إما بطرح هتاف يفرق أكثر بكثير مما يجمع، أو برفع سقف شعار يثير ريبة واستفزاز ومكونات الشرائح الاجتماعية، أو بطرح خطابات شتائمية واتهامية ضد أشخاص ورموز في الدولة والإدارة دون أدلة أو حتى قرائن، وبناء على الثقافة الشفهية والسمعية.
أعراض الخلل في بعض التعبيرات الحراكية المنفلتة أصبحت عبئاً على الحراك الراشد العاقل المتوازن. وتبرز هنا بين الحين والآخر مشاهد لا تحظى بالتوافق وتعزل النشاط الحراكي عن حاضنته الاجتماعية، حيث لا هوية سياسية ولا برنامج واضحاً أو محدداً، وحيث إغراق في «اللغو» عن الفساد والفاسدين ونهب أموال الدولة وبصياغات تخلو من الإقناع .
وأيضاً، حيث فعاليات من الطراز الذي يعيق نمو حركة وازنة تدعم الحراك في المجتمع، مثل إحراق صور أو الدعوة إلى إسقاط النظام أو مثل رجم لافتات والتعدي على الممتلكات وإعاقة السير وإشعال الإطارات في مشاهد معاكسة تماماً لمظاهر التعبير السلمي الوازن، التي تريد شخصيات متعددة أن تنضج حتى تصبح كلمة الحراك موحدة أو مؤثرة أو مسموعة على الأقل.
تبدو السلطة في عمق هذا المشهد الأردني متعدد الاستقطاب والتجاذب مرتاحة لهشاشة التعبير الحراكي، خصوصاً المنفلت والمؤذي والخارج عن القانون، وبشكل خاص في مساحات تثقب السقوف الحمراء، ومن الصعب تحشيد الشارع حولها. لكن المؤسسات الرسمية للسلطة، بالمقابل، لا تعمل في الاتجاه المعاكس لمبررات ومسوغات وذرائع الحراك والتحريك، حيث تعثر دائم لحكومات متعاقبة، وارتفاع حاد في الأسعار، وركود في الأسواق، وتصعيد ضريبي، وأزمة معيشية خانقة في شرائح ومكونات موظفي القطاع العام.
وحيث لعبة انتخاب لا تزال غير نظيفة تماماً، وبرلمان مستقر في مستوى الدور الهامشي، واجتهادات قمعية وعرفية لبعض رموز السلطة، وأجهزة أمنية منشغلة في نفاذ المناخ العام من الخسائر التي يرتكبها سياسيون مراهقون، وحيث فوضى في الإدارة وتكلس في مفاصلها، وأزمة عميقة في الأدوات، وكسل في المبادرات السياسية.
تلك حالة نادرة في الواقع المعيشي الأردني، فكرتها حراك مشلول سياسياً عندما يتعلق الأمر بإخفاق مبادرات توحيده ومأسسته يقابله شلل جزئي في أداء القطاع العام وإخفاق في التعاطي مع الأسباب التي تدفع المواطن أصلاً، سواء أكان حراكياً أم لم يكن، إلى الغضب والاحتقان وأحياناً إلى المجازفة.