الأردن: حِزم الرزاز تتواصل والتحفيز الاقتصادي يصل إلى «العمق الاجتماعي»
بعد قرار الملك «بيكفي ضرائب»… رفع الرواتب وحرمان «هتاف الشارع» من «موظفين»
: يمسك وزير المالية الأردني الدكتور محمد العسعس بالتفاصيل الرقمية والسياسية وهو يستخدم عينيه ويديه، وأحياناً يتقدم بتعليقات للتوضيح أو تصليح العبارة، فيما يتحدث مساعدون له ومسؤولون آخرون على منصة مؤتمر صحافي بتقنية جديدة، قررته الحكومة للإعلان عن النسخة الثالثة من حزمة الإصلاحات. يتحدث العسعس بهدوء، ويسمح لموظفين في جهاز وزارته والدولة بالشرح ويتدخل للتوضيح، مظهراً أنه وزير يمسك بتفاصيل التفاصيل. ذلك وجه آخر عملياً لشريحة الوزراء الذين يعتبر البعض وجودهم في الحكومة، بعد خدمة سنوات في القصر الملكي، «مثلبة» بيروقراطية، وإن كان – على الأقل في حالة العسعس – ما يجري مؤشراً إلى امتياز وإضافة بيروقراطية.
في كل حال، أعلن رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، وبالتزامن مع انشغال لجان البرلمان بالميزانية الصعبة والمتقشفة، حزمته الثالثة في الإصلاح، والتي ينظر إليها معارضون أو حراكيون وأحياناً وزراء ومسؤولون سابقون بأنها ليست أكثر من محاولة لوضع مكياج غير منتج على الواقع الاقتصادي والمالي. وقرر الرزاز تجاهل مثل هذه التحرشات السياسية بخطته المتعلقة بحزمة من التسهيلات والإجراءات والتحفيزات. لكنه فعل ذلك دون الإجابة على أسئلة محورية محددة مثل «التمويل»، ودون الانتباه لما يسميه الجملة المتشائمة السلبية لا بل العدمية أحياناً.
الصناعيون مرتاحون لإجراءات حزم الرزاز، وقطاع الإسكان يقول بأنه بدأ يشعر بانفراج ولو بسيطاً، وثمة توجيهات وتعليمات بالجملة للطواقم البيروقراطية والأمنية لصالح استرخاء وترييح صغار المستثمرين المحليين وكبارهم إن وجدوا، على أمل إحداث فارق وتمكين خطة التحفيز من الصمود، بعد توجيهات ملكية واضحة تمحورت حول عبارة «بيكفي ضرائب».
الخطة في بعدها السيادي العميق اليوم لا تتعلق فقط بإقناع غالبية الشرائح الاجتماعية بأن سياسة الجباية الضريبية توقفت أو ينبغي أن تتوقف، كما قال العسعس نفسه لـ «القدس العربي» التي شاهدته قبل ثلاثة أيام وفي مناسبة عزاء شخصية وطنية بارزة راحلة هو الفريق مصطفى القيسي، يشرح لإعلاميين تصادف وجودهم في المكان بالرقم والحيثية حصول فارق بعد التسهيلات والتحفيزات في اتجاهين على الأقل، هما تجارة السيارات والنشاط السياحي.
حتى صناعيون كبار كانوا أصلاً يحققون أرباحاً معقولة شكروا الحكومة لأنها أهدتهم أرباحاً إضافية بنسبة 6% على متاجراتهم ضمن خطة التحفيز إياها، مع أن الألم مستوطن في القطاع، والسوق التجارية وسط حالة ركود يصعب تجاهلها. عملياً، وبعد مؤتمر صحافي على شكل ندوة أعدت لوجستياً أمس الخميس بتقنية مختلفة، وصلت حزمة الإصلاحات إلى الموضوع الأهم بالنسبة لغالبية ساحقة من الأردنيين، حيث وضعت الحكومة أمام الرأي العام خطتها لتنفيذ توجيه ملكي علني برفع رواتب الموظفين والمتقاعدين العسكريين والمدنيين لتحسين مستوى المعيشة.
تبدو حزمة رفع الرواتب هنا قادرة على إنتاج، ولو مساحة محدودة من التفاؤل، بصرف النظر عن ما يلاحظه سياسيون كبار من أن مستوى الإنفاق الرسمي في الميزانية المالية المعروضة على البرلمان الآن ليس تقشفياً، لا بل قد يكون أكبر وأكثر من السنوات السابقة، ومع أن الأسئلة لا تزال معلقة حول طريقة تمويل الزيادات الجديدة.
سمعت «القدس العربي» سابقاً وزير الصناعة والتجارة الدكتور طارق الحموري وهو يعتبر أن ربط الرواتب في القطاع العام ببرنامج تقييم عصري وحديث ومنصف للأداء هو خطوة في غاية الأهمية ضمن استراتيجية التطوير الحكومية.
هنا تحديداً زف الرزاز وطاقمه للجمهور البشرى الجديد، متعهداً برفع منطقي لرواتب صغار وكبار الموظفين والمتقاعدين ابتداء من العام المقبل، وضمن آلية ستبدأ لاحقاً برفع الرواتب والمداخيل بالتوازي مع ارتفاع مستوى التضخم المعيشي.
لكن الرزاز في الأثناء يبدو مهتمًا بالتسلل في برنامجه المتعلق بسلم تقييم الأداء، وهي خطوة لا ينكر حتى المعارضون للحكومة أهميتها ضمن مسلسل النهضة في تطوير خدمات القطاع العام، حيث قال الرزاز ثلاث مرات على الأقل أمام «القدس العربي» بأن عينيه شاخصتان في هذا الاتجاه، باعتباره الأساس في مشروع حكومته وخطتها. إلى ذلك، أبلغت الحكومة أمس الخميس موظفي القطاع العام والمتقاعدين منه بأنها سترفع الرواتب.
لا بل أعلن الوزير العسعس مع طاقمه أن الرتب والمراتب الأدنى من الموظفين والمتقاعدين ستحظى بالرفع الأكبر وبنسبة 70 %، وهو خطاب بيروقراطي مدروس بعناية قد يكون هدفه الأعمق والأبعد خصوصاً بعد أزمة نقابة المعلمين ليس فقط استرخاء القطاع العام وموظفيه، ولكن على الأرجح التقليص التام لكل المساحات التي يمكن أن تنتهي بموظف صغير أو متوسط من موظفي الحكومة والدولة لأن يتحول إلى جزء من منظومة الهتاف الصاخب في الشارع، أو لغذاء يستثمر فيه الحراك الشعبي والمناكفون.
ذلك، على الأرجح، واحد من التجليات الفنية والبيروقراطية لخطة التحفيز ولحزم الرزاز، وقبلهما بالتأكيد للمبادرة العميقة التي تقدم ويواصل التقدم بها شخصياً الملك عبد الله الثاني.