الأردن: سفير أمريكي «فضولي جداً» «يقطف» مع المارينز «زيتون عجلون» ويسأل عن «سر النوم بعد المنسف» ويحرّض على إيران
خفايا وأسرار بالجملة بعد «صراع» مع البريطانيين على «رعاية المملكة الهاشمية»
نمت برخاوة لما عشيري يطلي»… هذه أهزوجة شعبية من شمال الأردن خلال موسم قطاف الزيتون. لكنها أهزوجة تختلط بكل دلالات ما هو أعمق سياسياً عندما تنشد على مسامع أركان السفارة الأمريكية في العاصمة عمان وهم يشاركون «عائلة أردنية» بموسم قطف الزيتون ومعهم رفيقهم المفوض الدبلوماسي الجديد والرفيع مايك هانكي مهندس «عودة الدفء المفاجئ» لمحور الاتصالات بين عمان وواشنطن.
طبعاً لا يمكن لدبلوماسي محنك مثل هانكي ان يعرف بالرغم من لهجته العربية المكسرة ما هو المقصود بتلك الأهزوجة التي غنيت له في جبال قرية صخرة بمدينة عجلون شمالي البلاد.
للتو هانكي حمل معه نحو 12 موظفاً رفيعاً من سفارته بسيارات مصفحة وحراسات مارينز وقطف الزيتون مع أفراد عائلة أردنية وشوهد حسب فيديو وصل لـ»القدس العربي» يناقش إمرأة مضيفة تقدم له فنجان القهوة السادة باحثاً عن «أسباب ميله السريع للنوم بعد تناول المنسف» حيث تتعطل قدرته على العمل.
في الأثناء خطاب حماسي للسفير المفوض فوق العادة وهو يعبر فيه عن سروره لأنه يشارك أردنيين موسم قطاف الزيتون برفقة «النشامى» وعلى الهامش حراس أمن مارينز ضخام الجثة بعضلات مفتولة «يعبثون» بشجرة زيتون ثم يفترشون الأرض ويتناولون إفطاراً قروياً شعبياً بالسمن البلدي والبيض و»قلاية البندورة» التي سبق ان قال الملك عبدالله الثاني علناً انها طبقه المفضل.
لماذا يحتاج دبلوماسي مخضرم متخصص في التحريض على إيران تحديداً وله صولات وجولات في تازيم الأزمة السورية وحضر للتو من القدس المحتلة لكل هذا «التفاعل» العلني امام الكاميرا وهو يقطف الزيتون الأردني؟ يبدو ذلك سؤالاً عاطفياً للوهلة الأولى .لكنه «سياسي» بامتياز إذا علم الجميع بأن هانك نفسه كان يزور شخصياً بعض الفعاليات الأردنية المستقلة او حتى المناكفة قبل تسميته مفوضاً فوق العادة من قبل البيت الأبيض .وكان أيضاً يغرق في تفاصيل بعض الأسئلة التي يحاول إظهارها «فضولية» بينما هي سياسية أو استخبارية أو متطفلة ومغرقة في المحلية دوماً .
كم طن من الزيتون ينتج شمالي الأردن؟.. كم هو العدد الفعلي لأبناء قبيلة بني حسن؟.. ما هي حصة المخيمات في البرلمان ؟.. ما هو سبب الأزمة بين القصر الملكي والإخوان المسلمين؟…لماذا لا تحارب الحكومة الأردنية حقاً وفعلاً الفساد برأي الشارع؟
تلك نماذج من التساؤلات التي طرحها الدبلوماسي هانكي على أردنيين من خارج «الصف الرسمي» ويوجد غيرها طبعًا. الأهم ان المفوض الدبلوماسي الأمريكي المباغت قطف الزيتون والتهم المناسف وتحدث عن النشامى بالتزامن مع رسائل صدرت عن طاقمه بعنوان يقول بالمزيد من المساعدات الأمريكية قريباً للأردن والأهم بالمزيد من «الإشراف المباشر في إنفاق المساعدات المالية» من قبل السفارة وطاقمها حرصاً على الشفافية.
ليس سراً في السياق أن الإدارة الجديدة لمقر السفارة الأمريكية الضخم في عمان العاصمة تمثل في الخارجية الأمريكية الجناح نفسه الداعي لـ»تقويض إيران من الداخل» ولنزع حضورها في «الداخل العراقي». تلك مهمة شبه مستحيلة بدون التعاون مع الأردن حصرياً بصفته البلد العربي الأقرب للعراق وتحديداً لجغرافيا وديموغرافيا مكوناته السنية.
ليس سراً بالقياس أن الدبلوماسي هانكي متحمس ايضاً للجناح الأمريكي الداعي لعدم «التنازل» عن «الشراكة مع الأردن» أو رعايته لصالح اي برنامج بريطاني جديد حيث تنافس واحياناً صراع نفوذ وتأثير لمس مؤخراً بين لندن وواشنطن في عمق المعادلة الأردنية بعدما طلبت عمان من حليفها البريطاني التدخل للمساعدة اقتصادياً وأمنياً عقب سلسلة واسعة من «تجاهلات» الأردن في عمق طاقم الرئيس دونالد ترامب.
لجوء عمان لأحضان الصديق البريطاني القديم لم يعجب إطلاقاً طاقمين في الخارجية الأمريكية الأول هو المناصر لإسرائيل، والثاني هو الداعي أصلاً للحفاظ على علاقات متقدمة جداً مع الأردن وعليه دخل الأمريكيون وبقوة للحفاظ على «حصتهم» في النفوذ الأردني. طبعاً رحبت عمان بالأمر وتتم الآن «إزاحة» طاقم استشاري بريطاني كان يعمل خلف الستارة في مستويات مؤثرة بالإدارة الأردنية مما فسر الإقالة المفاجئة الشهر الماضي للجنرال البريطاني ماكنتوش مستشار برنامج اعادة الهيكلة واحد ابرز العناصر الاستشارية البريطانية في المؤسسة الأردنية خلال ال15 عاماً الماضية.
ومما يفسر ايضا اتجاهات وتعيينات وقرارات أخرى برزت مؤخرًا في الأردن برعاية رؤية ملكية عميقة استثمرت بكل الأوراق لإعادة «المصالح الأردنية العليا» إلى دائرة الاهتمام سواء الأمريكي او حتى البريطاني والأوروبي وعلى قاعدة تليق بالدولة الأردنية وبصيغة مكنتها حتى من مناكفة اليمين الإسرائيلي بل و»تحديه» أحياناً في ملفات من بينها المسجد الأقصى واستعادة أراضي الباقورة والغمر.
الأردن «يتموضع» بهذا المعنى سياسياً. والأمريكيون «يعودون لرشدهم» في معرفة كلفة «إقصاء» الأردن ومحاولة تهميشه وتمكين اليمين فقط من العبث في حديقته الخلفية.
باختصار المشهد اليوم كالتالي: السفارة الأمريكية تتحدث عن «مساعدات مالية إضافية» والملك عبدالله الثاني في واشنطن قريباً بعد كندا و»السفير المهندس – المنفذ» للاستدارة عملياً مايك هانكي يقطف الزيتون في قرية أردنية.