الأردن: ضرب تحت الحزام لكل من يساهم في «تسمين» الحواجز والإعاقات أمام «الاستثمار»
خطة وقائية طازجة بتوقيع الرزاز وأهداف أعمق قليلاً
تبدو الفرصة ضيقة أمام الإنجاز الحقيقي عندما يتعلق الأمر بهوامش المبادرة في المسألة الاقتصادية والاستثمارية الأردنية، ولأسباب خارجة عن الإرادة مرة، ولها علاقة بهشاشة التحكم والسيطرة بيروقراطياً وداخلياً.
الأردن أمام مفترق طرق في المسألتين المالية والاقتصادية… هذا ما يريد أن يقوله ضمناً رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز وهو ينقضّ على جميع الأطراف، خصوصاً في الداخل تحت عنوان «إزالة عقبات الاستثمار» والاستجابة لكل المعيقات البيروقراطية التي يشتكي منها القطاع الخاص.
رسالة الرزاز، وبعد إعلانه ما يسمي بخطة جديدة لحماية الاقتصاد الوطني ومساعدته، تبدو لخصوم الداخل أكثر من كونها لخصوم الخارج، والفرصة متاحة لرجل البنك الدولي السابق المقرب من المؤسسات المالية الدولية لإقناع جميع الأطراف في المستوى الداخلي، تحديداً بوجود طريقين وعلى الطريقة الأمريكية.. «درب الإصلاح الهيكلي الحقيقي المؤلم، أو البقاء في الأزمة».
هنا يستثمر الرزاز في أشهر قليلة باقية في عمر حكومته، ويعلن خطة مستجدة تحت عنوان الاستجابة للتوجيهات الملكية، وقوامها العمل باتجاهين:
الأول هو تسهيلات بالجملة وغير مسبوقة للمستثمرين وللقطاع الخاص، خصوصاً في الفرص المتكلسة مثل قطاع الإسكان بهدف التحريك. والثاني خفض كلفة الطاقة وإنتاج فرص تشغيل للأردنيين وتوفير فرـص إسـكان لذوي الدخول المحدودة والفقراء. طبعاً، مثل هذه الطموحات تبدو كبيرة جداً ويتجاوزها الواقع البيروقراطي. لكن الأمل دوماً متوفر، والرزاز قال مرات عدة بأن «السلبية «تتحول إلى «عدمية» ثم إلى واقع عندما يكتفي الجميع بالتضـجر والتذمر والشـكوى.
الأهم أن الرزاز هنا، وبدعم من مجموعة صغيرة جداً من الحلفاء، يريد الاستثمار في التوقيت والأزمة الاقتصادية لإنتاج بصمة، فأقل إنجاز محتمل من «هتافات» الخطة الاقتصادية الجديدة يحتاج إلى طاقم وزاري مختلف وإدارة أكثر انفتاحاً، وتحفيز وتنشيط الاقتصاد غير ممكن بدون «برنامج إصلاحي سياسي» بالتوازي وفقاً لما يؤشر إليه، حتى في كواليس مجلس الوزراء، وزير الثقافة والشباب الدكتور محمد أبو رمان. أبو رمان قد يكون أول من عمل على مسألة تصور للتنمية السياسية، ونصح به الحكومة قبل أن تهاجم الفكرة مراكز قوى كلاسيكية في الحكومة وخارجها.
في كل حال، يدرك وزير الداخلية المخضرم سلامة حماد، وكما تفهم منه «القدس العربي» مباشرة، بأن المؤسسات التابعة لوزارته عليها أن تقوم بما ينبغي أن تقوم به لدعم تسهيلات التحفيز والنمو الاقتصادي.
دور وزارة الداخلية كان محوراً لنقاش مفصل خلف الستارة عندما تعلق الأمر بشكاوى صناعيين ومستثمرين من عقبات في إنجاز المعاملات، وما يبدو عليه الأمر أن الوزير حماد «توافق» مع هيئة تشجيع الاستثمار، وفي طريقه لتفعيل دور الحكام الإداريين.
لكن ذلك لا يكفي بكل الأحوال؛ لأن تحقيق ولو نسبة ضئيلة من الأهداف المنطقية التي أعلنتها حكومة الرزاز مؤخراً دون ضجيج أو مبالغة أو تهويل، يحتاج إلى رؤية ومقاربة مختلفة في المجال الحيوي لملفات مكافحة الفساد. ويحتاج أيضاً – وقد يكون هذا الأهم – إلى مؤسسات أمنية منفتحة أكثر، يمكنها أن تتحول إلى مستوى من «يحمي» الإصلاح والتغيير الهيكلي بدلاً من مستوى من «يعيق» أي تغيير ومن أي نوع وعلى أساس، إن «البلد لا يحتمل»، والأوضاع في الإقليم صعبة ومتفجرة، وانطلاقاً من مدرسة تعلي من شأن «الأمني» على حساب «السياسي»، وأحياناً الاستراتيجي.
وتلك مساحات ليست متاحة أمام الرزاز وطاقمه حتى وإن اتجه نحو تعديل وزاري يشبهه أكثر، خصوصاً أنه اتفق ضمنياً في وقت سابق، مع ملاحظة لـ «القدس العربي» تقول بأن وزراء الرزاز لا يشبهونه ولا يشبهون مدرسته، قبل أن يشير إلى أن مجلس الوزراء لا يمثل 2% من الأردنيين وأصحاب الرأي.
ومع أن الـ 98% الباقين لا يظهرون الرضا على الحكومة، يمكن القول إن الرزاز يحاول زراعة الأمل مجدداً رغم كل الإحباطات والمعيقات وفي الوقت الذي تجتهد فيه مؤسسات تقليدية في تقليص فرصة الحكومة بشكلها وإطارها المدني الحالي بالتحكم والنفاذ.
لا يستطيع الرزاز المناورة في ملف الإصلاح السياسي، ولا يريد أي مواجهة مع التقدير الأمني المطالب قبل الحكومة وغيرها بالحماية والتأمين. لكن في المساحة المتعلقة بالتدبير الاقتصادي تحديداً، وبعد مرات عدة أعلن فيها الملك عبد الله الثاني شخصياً رؤيته النقدية للأحداث ومسارها، مركزاً على إزالة كل العقبات أمام المستثمرين، يمكن للرزاز أن «ينقض» بطريقته الناعمة على تلك المعيقات عبر خطة ورقية جديدة مرسومة بالبيكار وبسقف متواضع وممكن بيروقراطياً ودون مجازفات على كل الحلقات المتهمة داخل الدولة بتسمين «إعاقات الاستثمار». تلك على الأرجح وظيفة الخطة الاقتصادية الطازجة التي أعلنها الرزاز، الأحد، على أساس التجاوب مع توجيهات ملكية عليا وعلى أساس إظهار الاهتمام بالاستعداد لحالة تنقل فيها «عدوى» الشارعين اللبناني أو العراقي إلى الساحة المحلية، خصوصاً في ظل معلومات أمنية تقدر بأن بعض الأطراف لديها مخطط «عبث» وعبر أردنيين بسطاء.