اراء و مقالات

تهامسات رمضانية مع «الإخوان»… والأردن بعد «تحديث المنظومة»: متى يذوب «التأزيم»؟

عمان – «القدس العربي» : على جبهة الحكومة، وتحديداً في مقر رئاسة الوزراء الأردني حيث الدكتور بشر الخصاونة، لا توجد تباينات كبيرة أو كثيرة في الموقف الحكومي من ملف الإخوان المسلمين.
الرئيس الخصاونة مثلاً يقر بأن الإسلاميين جزء من الأفضل التوافق معه على نقاط محددة، وحكومته طول الوقت لم تكن بصدد أو برسم التفاعل السلبي والتأزيم مع الحركة الإسلامية.

جزء إشكالي

لكن وجهة نظر الحكومة في الوقت نفسه، تشير إلى أن الحكومة لا «تدلل» الإخوان المسلمين حصرياً دون غيرهم، وليست بصدد منح تيارهم الحزبي «امتيازات خاصة» وقد ظهر مثل هذا الموقف في إجابة نائب رئيس الوزراء توفيق كريشان على استفسار لـ«القدس العربي» بخصوص تجميد التيار للمشاركة في الانتخابات البلدية الأخيرة حيث -برأي كريشان- لا مبرر لعدم المشاركة، لكن الانتخابات تعقد للجميع ومن أجل الجميع.
مبدأ التشاركية والمشاركة جزء إشكالي رئيسي حتى في سلوك حزب المعارضة الإسلامي الأبرز في البلاد. لكن مثل هذا الخطاب يختلف عن خطاب الإقصاء، مع أن مراقبين مستقلين من بينهم الدكتور عامر السبايلة، يتحدثون عن صعوبة البقاء في دائرة تأزيم الملفات وبقاء الأزمة متواصلة وبدون معالــجات.
مزاج الإقصاء غير منتج ولا يمكن الاستفادة منه باي حال من الأحوال في رأي سبايله مع ملاحظة ان الملفات التي تأزمت منذ عدة سنوات لازالت متأزمة حتى الان مثل ملف نقابة المعلمين وهندسة الانتخابات ومثل المسائل التي تؤلب الشارع على الحراك. وبالتالي، الحاجة ملحة دوماً لمقاربة أكثر عمقاً، تعمل على إعادة فتح الملفات المتأزمة وقراءتها مجدداً والبحث في الاحتياجات المطلوبة لإمكانية معالجتها بدلاً من التعامل معها كواقع موضوعي طويل الأمد.
لا يجوز أن تبقى الملفات مأزومة ومفتوحة على التأزيم دون مقاربات عميقة في التعامل معها، فسيناريو التأزيم هو الذي يربك حتى خطط الحكومة التنفيذية أحياناً، ويدفع الأردنيون إلى زيادة رقعة كاظمي الغيظ منهم، على حد تعبير رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، أو إلى التحول إلى ملاحظين أو إلى رأي عام يتسع في اتجاه الشعور بأنه خارج المربع. عند أي قراءة سريعة أو متسرعة للحدث بمعناه الاجتماعي فقط، من الصعب التوصل إلى استنتاجات سياسية أو حتى وطنية مباشرة عندما يتعلق الأمر بحضور شخصيات رسمية أو شبه رسمية بارزة مثل رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، لحفل إفطار جماعة الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية مساء الثلاثاء الماضي.

قواسم مشتركة واردة

لكن عند الحفر والتعمق في مسارات مثل هذا التفاعل الكيميائي حتى ولو على قاعدة «مجاملات اجتماعية»، يمكن رصد لكن بصورة خافتة وحاسمة محاولات عند بعض الأطراف لإعادة بناء جسور علاقة واثقة بالرغم من المشهد المفتت تماماً في تلك العلاقة بين الإسلاميين والسلطات المفصلية في الدولة الأردنية مع أن الانطباع في الدولة العميقة على الأقل لا يزال سلبياً تجاه مظاهر الانتهازية السياسية، كما توصف وتقال في غرفة القرار وبعض الاجتماعات أحياناً عند الإخوان المسلمين الذين يتهمون خلف ستارة مراكز القرار والاجتماعات السيادية بأنهم يحاولون أحياناً الاستثمار في الواقع الموضوعي وفي الأزمة الاقتصادية والمعيشية أو لا يمكن للدولة أن تأمن جانبهم في كل الأحوال.
على الصعيد الرسمي، لدى الرفاعي تحديداً وجهة نظر مختلفة إلى حد ما حتى عن وجهة نظر الحكومة فيما يخص البحث عن مساحات مشتركة مع فصيل سياسي أساسي في الإيقاع السياسي الوطني العام، مثل الحركة الإسلامية وحزبها جبهة العمل الإسلامي.
والانطباع عنده لا يخفيه بأن إمكانية التوصل إلى قواسم مشتركة واردة دوماً وبكل الأحوال، ولا يمكن الاستهانة بها، خصوصاً أن الحركة الإسلامية الأردنية لا مصلحة ببقاء التأزيم معها. وثمة إقرار من شخصيات بوزن الرفاعي بأنها حركة عميقة إلى حد ما في نسيج المجتمع.
وهي المقولة التي كان يرددها دوماً حتى على أسماع «القدس العربي» قيادي مثل الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، وهو يحاول لفت نظر كل دعاة التأزيم والتوتير ضد الإسلاميين الرسميين والموظفين، إلى أن المسألة لا تتعلق بلافتة ولا بمقر، مع الإشارة إلى أن الحركة الإخوانية أو الحركة الإسلامية جزء أساسي لا يمكن التعامل معه دوماً بإقصاء في عمق النسيج الشعبي الأردني.
على الجميع أن يدخل إلى «مربع الوطن والقيادة» كما يصر الباحث الاقتصادي والسياسي الدكتور أنور الخفش، حيث لا خلاف مع المؤسسة، وحيث وجود مقاعد لجميع الأردنيين وللبسطاء منهم تحديداً في إطار الحالة التي توارثها الجميع تحت عنوان التعبير عن الهوية السياسية للشعب الأردني عبر طبيعة وثوابت الدولة الأردنية، الأمر الذي يحذر الخفش وسبايلة وآخرون من استمرار التساهل به والعبث به أو معه، لأن الحاجة ملحة عملياً لاستعادة حالة اليقين بالدولة وبالمواقف الرسمية، حيث الاستدراك ممكن الآن، ولم يصل الجميع إلى حالة الاستعصاء الشامل.
على جبهة الكيمياء المتفاعلة بين الإسلاميين مؤخراً والرفاعي عبر مأدبة إفطار، يمكن بناء الكثير من الانطباعات الفعالة، لكن بدون الغرق في التوهم والأوهام ما دامت المصالحة العامة مع الإسلاميين تحديداً تبقى في الاعتبار البيروقراطي الأمني وبعيداً عن الاعتبار السياسي.

مقاربة التيار الإسلامي

مقاربة التيار الإسلامي واضحة الملامح، فهو أيضاً من جانبه شكل خلية للتحاور مع شخصيات وطنية، وبدأ القيادي المخضرم الشيخ حمزة منصور ومعه رفاق له في حزب جبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين يتحدثون في بعض المشاورات والمحاورات عن الاستعداد لفتح حوار أعرض وأفقي تحت عنوان جبهة وطنية شامله لا علاقة لها بخطاب المعارضة بقدر ما لها علاقة بالبحث عن ملاذات وحلول تحت عنوان وطني.
يعتقد على نطاق ملموس أن الرفاعي يفكر بهذه الطريقة، وبأن تحديث المنظومة السياسية يمكن أن يشكل إطاراً منتجاً لجميع الأطراف حقاً إذا لم تستند فكرة دعم وتسمين وتغذية أحزاب جديدة فقط إلى فكرة إقصاء الإسلاميين أو منافسة فرصتهم في المجتمع وحصتهم، وهو الأمر الذي كان رئيس الهيئة المستقلة الجديد موسى المعايطة يحذر من البقاء في مربعاته، داعياً لفتح صفحة جديدة والمضي قدماً إلى الأمام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى