اراء و مقالات

لماذا تتشدد حكومة الأردن في «استقبال» نحو 500 مصاب من أبناء غزة للعلاج؟

أطباء تبرعوا بمالهم وجهدهم لمعالجتهم

عمان ـ «القدس العربي»: صعب جداً محاججة الحكومة الأردنية فيما يخص أي خطوات يمكن أن يفهمها العدو والصديق في اتجاهات معاكسة عندما يتعلق الأمر بسياسة الحذر الشديد جداً في مسألة خروج مواطنين من أهالي قطاع غزة في اتجاه الأردن، بما في ذلك الذين يحملون وثائق إقامة أردنية أو يمكن اعتبارهم آباء أو أمهات لأردنيين. لكن في المقابل فالأصعب سياسياً هو استدراك وتفهم الأسباب التي تمنع استقبال مصابين وجرحى تخفيفاً عن القطاع الطبي المرهق والمتعب في قطاع غزة.
عملياً، لا يمكن فهم أو تفهم كل الأسباب والذرائع التي تقولها الحكومة الأردنية وهي تتشدد في جزئية المصابين والجرحى، مع أن مبادرات محلية وداخلية اجتهدت وحاولت المساعدة سواء عبر نقابة الأطباء أو عبر جمعية المستشفيات الخاصة. ففي وقت مبكر من معركة طوفان الأقصى، كان زياد الزعبي، نقيب الأطباء، يلفت نظر الحكومة في جلسة خاصة أمام «القدس العربي» إلى أن أكثر من 500 طبيب أردني لديهم طموح في التطوع بالدخول إلى قطاع غزة، وهؤلاء يحتاجون للرافعة الدبلوماسية الأردنية لتمكينهم من تقديم المساعدة خلافاً لأن عددهم من أطباء الاختصاص وغيرهم قد يصل إلى 1000 على الأقل.

جدار بيروقراطي

في المقابل، وخلافاً لـ11 طفلاً فقط من مصابي السرطان تم إدخالهم للعلاج في الأردن في بداية الحرب على أهل غزة، تشير أوساط جمعية المستشفيات الخاصة إلى أن أحداً من مصابي الحرب من الأشقاء الغزيين لا تسمح له الحكومة بالحضور لمستشفيات عمان بهدف الحصول على المساعدة. ولا تبرر الحكومة موقفها في هذا السياق، مع أن «القدس العربي» فهمت من وزير الخارجية أيمن الصفدي مباشرة أيضاً، أن الأردن مهتم جداً بتقديم المساعدات الطبية تحديداً. لا بل فهم كثيرون بعيداً عن الصفدي أن توجيهات ملكية صدرت من الحكومة مع بدايات الحرب باستقبال مصابين وجرحى قدر الإمكان.
ويبدو أن الأهداف النبيلة، سواء للتوجيهات المرجعية أو لرغبة الدبلوماسية الأردنية بالمساعدة، اصطدمت بجدار بيروقراطي معقد جداً، مع أن بعض الأموال جمعت من متبرعين ومن القطاع الخاص لدعم هذا المسار في ظل الأزمة الشنيعة التي يعيشها القطاع الطبي في مستشفيات غزة، والذي يثق الخبير الصحي الأردني البارز الدكتور مهند النسور، بأنه كان من البداية هدفاً مستقراً لحملة الجيش الإسرائيلي.
لا أحد يعلم بالتوازي، ما هو مصير المبادرة التي تعلن عنها اليوم جمعية المستشفيات الخاصة، وفكرتها جاهزية تامة لنقل وتأمين واستقبال 500 حالة من مصابي أهل غزة الذين يحتاجون لعمليات جراحية معقدة وكبيرة.
وتقول الجمعية إن البيانات والتقارير الطبية لديها وبأن التجهيزات مع مستشفيات القطاع الخاص اتخذت، وأن مراقبيها داخل القطاع يعلمون ما الذي ينبغي فعله طبياً. وتلك المبادرة جزء في الواقع من توصيات ومقررات مؤتمرات طبية عقدت في عمان برعاية حكومية.
ومع أن مؤسسات القطاع الخاص الطبي تكلفت بكل النفقات ابتداء من النقل من داخل غزة ثم السفر إلى الأردن ثم العلاج في عمان ودون تكليف الحكومة ولو بدولار واحد، فإن الرسمي الحكومي البيروقراطي لم يوفر الغطاء المطلوب سياسياً وقانونياً.

أطباء تبرعوا بمالهم وجهدهم لمعالجتهم

الحديث عن مبادرة لإجراء جراحات وعلاجات لـ 500 مصاب من غزة على الأقل في المرحلة الأولى، وأموال نقل وعلاج هؤلاء موجودة ومجموعة، والهدف تأمينهم في المستشفيات الخاصة وليس العامة، وأخفقت اتصالات ومراسلات ومذكرات في إقناع الحكومة بتليين موقفها في إطار الطابع الإنساني للمسألة مع الاستعداد لتلبية كل الاشتراطات الموضوعية الوطنية التي تضمن، قانونياً وأمنياً، عدم استقرار المصابين في حال علاجهم في عمان وبصورة دائمة.
يفترض المفترضون، وهم كثر، بأن حكومة الأردن لديها الآلية القانونية المناسبة لمساعدة هؤلاء المصابين ولضمان كل الأسس والثوابت الأردنية، لكن الجبهة الحكومية تبدو متشددة في هذا السياق، الأمر الذي بدأ يثير التهامس والجدل وسط أطباء القطاع الخاص على الأقل في عمان. طبعاً، لا توضح الحكومة موقفها أو تشرحه هنا، لكن الانطباع هو أن سلسلة إجراءات اتخذت ضمن مسوغات أمنية وسياسية لمنع تسرب أهل غزة من القطاع حتى لا يخدم خروجهم وإقامتهم في أي بلد آخر مخططات العدو الإسرائيلي في التهجير، علماً أن دولاً عربية، وأخرى أجنبية متعددة ليست قريبة من أهل غزة هاشم، استقبلت أعداداً من الجرحى والمصابين، من بينها مصر والإمارات وإيطاليا. وعلماً بأن المطلوب إذاً دخول مؤقت للمصابين مع الالتزام بكل القيود القانونية والأمنية.

مسألتان

لا تفسر الحكومة موقفها المتشدد بيروقراطياً هنا إلا في التأشير على مسألتين وفق الفهم الرسمي: الأولى أن المستشفيات الميدانية العسكرية موجودة في القطاع وتقدم الخدمة لعشرات الآلاف من المرضى والمصابين. والمسألة الأخرى أن الحكومة تتجنب سيادياً والتزاماً بثوابتها ضد تهجير أهل غزة، أي ثغرة يمكن أن تخدم المشروع الإسرائيلي لمغادرة المواطنين للقطاع.
تلك المسوغات تقولها السلطات الرسمية لتبرير قرارين، هما: تجنب معالجة مصابين من أبناء القطاع في مستشفيات عمان، وبالتوازي دعم تسهيلات أي أطباء راغبين بدخول القطاع وإنزال مساعدات طبية بين الحين والآخر.
والقرار الثاني عدم تسهيل دخول أبناء القطاع إلى الأردن لأسباب سيادية، وشمل ذلك في بعض الحالات التي اطلعت عليها «القدس العربي» من يحملون وثائق أردنية دائمة؛ فقد تم تجميد تلك القيود بصفة عامة، وتراقب السلطات المحلية بحذر شديد كل حالة من هذا الصنف تجنباً – كما تقول – لتفريغ القطاع من أهله. تلك ذرائع من الصعب معارضتها لأسباب وطنية، لكن الأطباء في القطاع الخاص على الأقل، يشيرون إلى أن لديهم قدرة على المساعدة، وأن المستشفيات الميدانية لا تكفي، والحديث عن مصابين لا يمكن علاجهم داخل القطاع وبأعداد لا تشكل خطراً ديمغرافياً.
الأهم في المقاربة السياسية أن الحكومة لا تريد الإصغاء كثيراً لتلك النغمة التي تفترض بأن أهل قطاع غزة، خصوصاً في مناطق الشمال، متشددون للغاية في مسألة الهجرة والمغادرة، وأن إصرار الغزيين على التمسك بأرضهم يخدم بالمطلق الثوابت الأردنية الاستراتيجية المعلنة ضد التهجير خلافاً لأن توجيهات مرجعية صدرت لكل المؤسسات في عمان تقضي بدعم صمود الفلسطيني في أرضه قدر الإمكان.

الثابت الأردني

وما يقوله أطباء القطاع الخاص المتطوعون والمتبرعون هو أن تقديم جزء من المساعدة لحالات مستعصية وصعبة وبعدد محدود، يخدم الثوابت المرجعية في مسألة صمود عائلات هؤلاء المصابين، ولا يؤثر من حيث الأعداد إطلاقاً على الاعتبارات السيادية؛ لأن وجود مصاب في وضع حرج في عمان هو أيسر وأسهل في المناورة بدلاً من خدمة الضغط والحصار الإسرائيلي على ذلك المصاب وأسرته واستقطابهم عبر ممرات قبرص أو رفح إلى خارج القطاع والجغرافيا. ويفترض المعنيون هنا في القطاع الطبي أن علاج مصابين يحتاجون إلى جراحات معقدة في عمان يخدم قواعد الاشتباك الأردنية وليس العكس.
حتى اللحظة، يناضل أطباء القطاع الخاص في هذا السياق.
وحتى اللحظة أيضاً، الإطار البيروقراطي لديه حسابات حساسة مختلفة، وما استقر عليه المشهد هو وجود مخصصات مالية متبرع بها لمعالجة حالات محددة في مشافي عمان لا يمكن معالجتها داخل القطاع، مع الأخذ بالاعتبار كل القيود والاعتبارات السيادية والأمنية والقانونية.
ومع الاعتبار أيضاً أن مؤسسات الدولة الأردنية قادرة تماماً، لا بل أقدر من غيرها من الحكومات والدول، على ضمان عودة المصاب ومن يرافقه بعد علاجه إلى القطاع، فيما يمكن اعتبار علاج بعض المصابين جزءاً من تحفيز أهل القطاع ومكافأتهم على صمودهم في خدمة الثابت الأردني المضاد للتهجير.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى