الأردن والأوراق «المحروقة»: طراونة – رزاز… يتصافحان ثم «يرحلان معاً» و«الأمل الملكي» مقابل «فوبيا الميزانية»
مايكروفون النواب ضد الحكومة الأحد المقبل والجميع يترقب مشاورات «اللجان»
تبدو مجرد مناورة برسم التسييس لا أكثر… رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز وقبل نحو 48 ساعة أو أقل من تعديل وزاري خامس على حكومته يزور مجلس النواب الذي تنعقد دورته الاخيرة الأحد المقبل ويلتقي رئيسه المهندس عاطف طراونة ورؤساء اللجان الأربع المهمة فيه.
طبعاً لا يمكن معرفة ما إذا كان القصد من هذه الزيارة إجراء مشاورات لها علاقة بالتعديل الوزاري أو ضمان رئاسة مجلس النواب واللجان الاربع الكبرى في حضن الحكومة.
لكنها تبقى خطوة تشاورية تتذاكى بها الحكومة وهي بصدد خطة استراتيجية جدية على المستوى الاقتصادي تتسرب للرأي العام بالقطعة. وهي أيضاً بصدد تبديل هوية ستة وزراء على الأقل وبصيغة توحي بأن الحكومة معنية بالتشاور.
الأهم هو أن دورة الأحد المقبل التي ستفتح بخطاب للعرش وفقاً لأحكام الدستور قد تكون الدورة الأخيرة او يفترض أن تكون الدورة العادية الأخيرة في عمر البرلمان الحالي. وبمعنى سياسي يبحث الرزاز عن الأمن والسلام بين أركان البرلمان ليس أملاً فقط في دعم تغييرات تشريعية تريدها الحكومة ولها علاقة بإجراءات تخص الاقتصاد والاستثمار والأزمة المالية.
لكن أيضاً لها علاقة برغبة الرزاز بأكبر مساحة هدوء ممكنة ما دام عمر حكومته أصلاً ينتهي مع انتهاء آخر دورة برلمانية حيث سبق لـ «القدس العربي» ان سمعته يتحدث عن سنتين في عمر حكومته يتأمل خلالهما ان ينجز فقط في مجال تطوير القطاع العام.
هنا حصرياً يمكن ملاحظة ان الرزاز يبتسم وهو يدخل مقر النواب ظهر الاثنين فاتحاً يديه لمصافحة على أساس الرحيل الثنائي ومحاولاً بالنتيجة والاستحقاق تجنب حمى الميكروفونات المألوفة في آخر دورة برلمانية للنواب.
في العادة يستعرض النواب بطولاتهم خطابياً ويرفعون سقف المعارضة للحكومة في آخر دورة لهم ضمن نطاقات الاستعداد للانتخابات التالية حيث يبدو أن 80 % على الأقل من أعضاء البرلمان الحالي مهتمون بالعودة للانتخابات التي ستكون هذه المرة غامضة للغاية. صورة مجلس النواب في الذهن الشعبي سيئة للغاية وسلبية وهو ما أقر به أمام «القدس العربي» رئيس المجلس الطراونة وهو يلفت النظر إلى قوى عدة في الأمر الواقع حاولت إعاقة برنامج مأسسة العمل البرلماني. بكل حال يعلم الطراونة والرزاز أنهما راحلان معاً كرفيقين بعدما تنتهي فعاليات الدورة الأخيرة التي تبدأ الأحد المقبل وسقفها على الأرجح في أعلاه شهر أيار وفي ادناه شهر آذار على ان الانتخابات ستعقد او يفترض أن تعقد ما لم تمدد ولاية البرلمان الحالي بقرار ملكي بعد أربعة اشهر من صدور إرادة ملكية بحل الدورة الأخيرة والأمر بالانتخابات.
وعليه يخاطب الرزاز الطراونة ورؤساء اللجان ضمنياً برسالة تقول..»هيا لنتوافق معا ما دمنا سنرحل قريباً ومعاً بنفس التوقيت». وهي جملة تناسب الواقع الدستوري والتقاليد السياسية التي تؤدي لرحيل الحكومة بالعادة بعد انتهاء ولاية البرلمان. كيف يمكن لمن يقودان اليوم سلطا التشريع والتنفيذ الانسحاب معاً من المشهد وبهدوء في الربيع المقبل؟
هذا هو السؤال المحوري المطروح الآن على الرزاز والطراونة فالرجلان لا يخاصمان بعضهما البعض وقد شهدت «القدس العربي» حواراً نقدياً حول الأداء الاقتصادي قدمه الطراونة بوجود الرزاز مع عنصر فارق في المشهد قوامه أن الرزاز يعلم مسبقاً بأن حكومته راحلة في غضون ستة أشهر على الأقل في الوقت الذي أعلن فيه الطراونة مبكراً وقبل ثلاثة أشهر أنه لن يترشح للانتخابات المقبلة مع الاصرار ورداً على استفسار في ندوة عامة لـ»القدس العربي» على ان عدم الترشح للانتخابات قرار شخصي ولا يعني الانسحاب من المشهد العام والسياسي.
ترجمة ذلك الفورية بسيطة وفكرتها أن الطراونة قد يهتم بتأسيس تيار من خارج البرلمان يؤثر في معطياته بالداخل، الأمر الذي يرشحه رئيساً للوزراء إذا ما تقرر بعد الانتخابات المقبلة تشكيل حكومة أغلبية برلمانية كان الرزاز أصلاً يلمح لها ويتحدث عنها والأهم يطمح بها.
وفي المحصلة يلعب القطبان الطراونة والرزاز عملياً في الوقت الضائع وإغراء الميكرفون سيدفع النواب في دورته الأخيرة لإمطار الحكومة بوابل من النقد والسقف المرتفع أملاً في الصناديق. لكن هذه اللعبة المتجددة تجري اليوم في ظل أزمة إقليم منقسم على ذاته ومفتوح على الاحتمالات ومعطيات وجودية تتعلق بالبقاء والصمود والاستقرار.
والأهم تشغيل هذه اللعبة بأدوات محلية أوراقها محروقة في الشارع تماماً وبعد سلسلة تحولات مفصلية وفي ظل ازمة مالية اقتصادية خانقة جدا وخيارات صعبة فكرتها ما يجري في بيروت وبغداد ومحورها الأكثر حساسية ميزانية ستكون مرهقة جداً. والى حد ما مخيفة وتنطوي على «فوبيا» ومتقشفة عشية دورة عادية للبرلمان وخطاب عرش متوقع سيسعى إلى زرع الامل عبر السلطتين رموزهما وأدواتهما متمرسة في تبديد الأمل الملكي إجرائياً وبيروقراطياً واستعراضياً.