اراء و مقالات

الأردن والانتخابات: الموقف لا يحتمل الهندسة

هذه الانتخابات استثنائية لأنها تعقد في ظل تحديات غير مسبوقة تاريخيا وجغرافيا وجيوسياسيا تواجه المملكة الأردنية الهاشمية ليس على صعيد شعبها فقط، ولكن على صعيد دولتها

حسنا تستعد البلاد لانتخابات برلمانية عامة يعتقد بأنها ستجرى حتما قبل نهاية العام الحالي وكل المؤشرات الصادرة عن دوائر القرار تشير إلى أن الانتخابات ستعقد بكل حال ما لم تحصل مفاجآت دراماتيكية جدا على المستوى الإقليمي على الأقل.
إقرار سياسة أن المسارات الوطنية لن تتعطل بسبب أحداث الإقليم خطوة حكيمة وعميقة وتقدر والحرب التي يواجهها الشعب الفلسطيني فرصة للتأكيد على أن خيارات الأردنيين هي المضي قدما للأمام في الحيز الانتخابي الديمقراطي المتاح ضمن إقرار الرؤية الملكية في مسارات التحديث.
هذه المرة يستعيد الأردنيون لانتخابات فيها نكهة مختلفة، لكنها بصورة عامة تنظم وتعقد في ظل تطورين في غاية الأهمية.
أولا، إن هذه الانتخابات يفترض أن تعكس الوجه الحضاري والمقصود والبرامجي لهوية الدولة لأنها باختصار أول انتخابات تعقد وتنظم في ظل وجود وثائق مرجعية حظيت بتوافق وطني ومؤسساتي تحت اسم مسار تحديث المنظومة السياسية.
وعليه فهي انتخابات مهمة وأملنا كبير بأن يفهم ذلك ليس المواطن الأردني فحسب بل الموظفون في الإدارة العامة من خلال التعامل بجدية مع الاستحقاق.
وأهم ما يجب أن يدركه الموظفون المكلفون وصناع القرار والمنشغلون بالهندسة خلف الستائر وفي أعماق غرف العمليات هو أن هذه الانتخابات هي تجربة حكم مباشرة في النتيجة على مسار تحديث المنظومة السياسية في البلاد برمته مع التذكير بالقواعد المرجعية العلنية التي قالت بصريح العبارة بأن أي مسؤول أو موظف أو حتى وزير لا يتقدم بأداء يتعاطى مع جوهر مسار التحديث عليه المغادرة.
بالتالي لا نتحدث هنا بكل صراحة وبساطة عن انتخابات وفقط لا بل عن انتخابات ستظهر ما إذا كانت السلطات والحكومة التي تشرف على تلك الانتخابات بما في ذلك مؤسسة دستورية مهمة ومحترمة مثل الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات جادة وتتميز بالمصداقية، وهي تدير هذه الانتخابات لأنها اللبنة الأولى في إسقاط حسابات سياسية وطنية جديدة على الشعب الأردني تبلغه ضمنا بأن هذه الانتخابات مهمه لأن مسار تحديث المنظومة السياسية والذي أكد القصر الملكي عدة مرات أنه يشكل المستقبل مهم وستخضع له بقية السلطات.

هذه الانتخابات استثنائية لأنها تعقد في ظل تحديات غير مسبوقة تاريخيا وجغرافيا وجيوسياسيا تواجه المملكة الأردنية الهاشمية ليس على صعيد شعبها فقط، ولكن على صعيد دولتها

ولأنها أيضا خطوة أساسية في أن يتمكن الأردنيون من القول بأنهم قادرون على فتح صفحة جديدة والمضي قدما نكاية بالعدوان الإسرائيلي الذي يفسد كل شيء.
شخصيا لا أعتقد بوجود مشكلة عند المواطن الأردني في جزئية الانتخابات لكن المشكلة عند السلطات والحكومات بصورة عامة.
هذه الانتخابات استثنائية لأنها تعقد في ظل تحديات غير مسبوقة تاريخيا وجغرافيا وجيوسياسيا تواجه المملكة الأردنية الهاشمية ليس على صعيد شعبها فقط، ولكن على صعيد دولتها ومؤسساتها الدستورية حيث معركة طوفان الأقصى التاريخية وتداعيات يوم 7 أكتوبر بكل ما تعنيه الكلمة من اختراقات وافتراضات، لا بد من الوقوف بعمق عندها، وبهذا المعنى نتحدث عن انتخابات فاصلة في ظرف حساس جدا، وهذا بحد ذاته يخصص مساحة إضافية جدا وعميقة ومهمة من العقلانية والرشد التي ينبغي أن تدار فيهما هذه الانتخابات.
وبصيغة لا تسمح لا بمغامرات الماضي ولا برهانات المراهقين الذين يتحدثون وظيفيا وبيروقراطيا باسم السلطة كما لا تسمح بمجازفات على سمعة البلاد والأسس العامة التي تشكل تلك السمعة في الداخل والخارج.
الانتخابات المقبلة خطرة وحساسة لا نشك بذلك لا بل نقر به وعلى المواطن الأردني أن يظهر ميلا إضافيا لمساحة الإيجابية في التفاعل والمشاركة.
نسبة عدد الأردنيين المنضمين للأحزاب لا تزيد حتى الان عن 1 في المئة وهي نسبة مخجلة في بلاد فتحت الباب على مصراعيه وبغطاء مرجعي وملكي مباشر على العمل الحزبي وتعبيراته.
انتخابات عام 2024 اختبار حقيقي لجدية الدولة أيضا في مسار تحديث المنظومة السياسية وفي الوقت الذي ينبغي فيه على العباد والمواطنين إدراك أهميتها والإقبال على صناديق الاقتراع بصورة تمنع عمليا محطات التزوير أو العبث أو التدخلات وتحول دون نسبة مشاركة بائسة كما كان يحصل في الماضي على السلطات المشرفة تقديم أدلة وبراهين بصفة دائمة ويومية على النزاهة العملية بكل ما تتطلبه مواصفات ومعايير تلك النزاهة من اعتمادات ومن أسس.
الشعب الأردني إزاء اختبار حقيقي لنواياه في التفاعل مع العمل الديمقراطي والحزبي والحكومة والسلطات المشرفة على الانتخابات امام اختبار يتعلق بمصداقيتها في الاستجابة للتوجيهات الملكية، وبهذا المعنى لابد أن نفتح صفحة جديدة ونترك حسابات وحساسيات الماضي ولا بد أن يعمل الجميع على فتح تلك الصفحة بصورة توقف حالة الإيذاء للذات وللوطن والمواطن.
إنها حقا انتخابات مهمة والتحديات التي يواجهها الشعب الأردني ودولته خصوصا في ظل مشاريع تصفية القضية الفلسطينية عند اليمين الإسرائيلي وشريكه الأمريكي والغربي تتطلب وجود برلمان منتخب وقوي، وهذا يعني إسقاط كل الكلاسيكيات والمعلبات في الماضي.
نتوسل إليكم هذه المرة لا تهندسوها فالموقف لا يحتمل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى