اراء و مقالات

الأردن والبحث عن «استدارة دستورية»… وحكومة الخصاونة بين عيدين و«نيران صديقة»

عمان ـ «القدس العربي»: هل تلجأ مؤسسة القصر الأردنية إلى تعيين حكومة جديدة منتصف الشهر المقبل؟ هذا هو السؤال الذي يتردد على لسان كل المهتمين بالمجالس والسهرات وأحياناً النميمة السياسية بالأردن.
لكن لا أحد لديه جواب حاسم على مثل هذا السؤال، خصوصاً أن الاحتمالات متساوية في كثير من الاعتبارات، وإن كان الرأي العام والشارع يضغطان بشدة على دوائر ومفاصل القرار من زاوية الحاجة الملحة لتجديد في الطاقم، أو من زاوية الافتراض بأن حجم التحديات والأولويات، خصوصاً تلك الناتجة عن تطورات ومستجدات وتداعيات الأحداث في فلسطين المحتلة، يتطلب استدارة أردنية استراتيجية في عدة اتجاهات قد يكون من أهم مقتضياتها.
أولاً، إحضار فريق اقتصادي قادر على تنفيذ الرؤية الاقتصادية التحديثية الملكية. وثانياً، فتح صفحة جديدة في المناخ السياسي الداخلي في البلاد، بمعنى تشكيل وزارة جديدة. لا أحد يستطيع توقع ما الذي ستنتهي إليه التكهنات والتسريبات في هذا السياق، لكن رئيس الوزراء الحالي، وهو شخصية قوية في سلم الدولة اليوم الدكتور بشر الخصاونة، كان قد تفاعل مع قدر من الاستجابة لحمى التكهنات عندما اعتبر الأسبوع الماضي أن حكومته تعمل مع المجلس النواب وكأنها شكلت في بدايتها.
وهذا يعني أن لدى الخصاونة طموحاً مشروعاً، طبعاً سياسياً، بالبقاء في السلطة الحكومية لا بل بأن يختم مشهده السياسي بعد تجربة مثيرة مليئة بالأعباء والملفات الساخنة بالإشراف على الانتخابات المقبلة قبل نهاية عام 2024. صعب إنكار الرغبة المشروعة للطاقم الوزاري الحالي في قيادة انتخابات توصف بأنها مهمة لأن الحصة الأكبر المتنافسة فيها ستكون الأحزاب السياسية. وهي الانتخابات التي تعقد لأول مرة بعد مسار تحديث المنظومة السياسية في البلاد.
لذا، من المناسب لشخصية سياسية وبيروقراطية عنيدة وصلبة مثل الخصاونة أن يختم تجربته ويغادر المسرح مع نهايات العام الحالي وبعد أن تشرف حكومته على الانتخابات، وإن كان ذلك يتطلب أن يتمكن الأخير من العبور بين بعض الكمائن الزمنية والدستورية، بمعنى أن يكمل البرلمان توقيته الدستوري.

«ماكياج الترشح»

ما بين أسماء وضعت «ماكياج الترشح لخلافة الخصاونة» وقراءة افتراضية تراقب عودة «أطقم حراسات رؤساء الوزارات» وأخرى بعنوان «أزف الرحيل» وسط «النيران الصديقة» يمكن التأشير على أن موجة «تغييرات الربيع» التي تحدث عنها الخبير الدكتور جواد العناني لـ «القدس العربي» سابقاً قد تدخل الاستحقاق بين «عيدين» لاحقاً لشهر رمضان المبارك. في كل حال، حديث الخصاونة عن أن حكومته تعمل وكأنها كلفت للتو، لا يمكن قياسه على الوزراء طبعاً؛ فعناصر الطاقم الوزاري يعملون تحت ضغط هائل من الإشاعات والتحرش بهم إعلامياً وبرلمانياً.
والافتراضات متزاحمة في الساحة السياسية بأن الحكومة راحلة لا محالة إذا ما صدر قرار بحل البرلمان يوم 11 من نيسان/إبريل المقبل، حيث تنتهي الدورة العادية وتستعاد قاعدة «السلطتان ترحلان معاً».
عملياً، لا مبرر لتغيير وزاري إذا لم تكن الفرصة مواتية لإحضار شخصيات وطنية سياسية كبيرة في حكومة جديدة، وإذا لم تكن الفرصة مواتية لتغيير في البرامج والمنهجية يتطلب تغييرات شاملة في الأدوات والرموز. فرصة بقاء حكومة معتدلة سياسياً وخبيرة تكنوقراطياً مثل حكومة الخصاونة، يفترض أن تستمر فيما لا تزال الخيارات من داخل النادي الكلاسيكي، حيث طامحون من موظفين كبار في المؤسسات السيادية أو وزراء سابقين، بوراثة المقعد الحكومي، فيما القرار في النهاية لصاحبه حصراً.
أوراق التغيير الوزاري وتواقيت وإجراء الانتخابات وحل البرلمان هي في صلب الصلاحيات الملكية، ولا تسريبات تتعلق بالنوايا ولا بالتوقعات على الأقل في هذه المرحلة، الأمر الذي يوحي بأن الأجندة الدستورية المرجعية قد تكون في طريقها فعلاً لإنهاء الدورة البرلمانية في وقتها، وإجراء انتخابات في شهر آب المقبل، وليس شرطاً أن تبقي الحكومة الحالية لإدارة تلك الانتخابات، وليس شرطاً بالمقابل رحيلها إذا لم يكن «البديل» متاحاً وممكناً وسط عودة بسبب «الحدث الفلسطيني» لهتاف «تشكيل حكومة إنقاذ».

تركة مرهقة

وزارة الخصاونة موضوعياً وفي كل حال، ورثت تركة مرهقة لها علاقة بسلسلة مشكلات في أداء القطاع العام وأزمات اقتصادية، وحملت الجزء الأكبر من مرحلة صعبة، هي مواجهة التداعيات لمرحلة الفيروس كورونا لمدة عامين.
وهي الحكومة التي طولبت بالاستجابة لمسارات التحديث الاقتصادية والسياسية والإدارية، وما بقي عليها أن تشرف على الانتخابات، كان بعض المخلصين للحكومة ومشروعها وتجربة رئيسها يأخذون على رئاسة الوزراء مغادرة السكة عدة مرات في خيارات تعديل وزاري كان يمكن أن تكون أفضل بكثير.
عموماً، سواء بقيت الحكومة أو رحلت بين «عيدين» هما عيد الفطر السعيد وعيد الأضحى المبارك، يعلم الجميع بأن مفهوم «الولاية العامة» أصلاً تقلص وأثار الجدل، وحكومات اليوم أقرب إلى صيغة تيسير الأعمال الإدارية، ولم تعد مثل وزارات الماضي دون معرفة ما إذا كانت تطورات المشهد الفلسطيني والإقليمي نضجت، بحيث تكسر القواعد المتبعة بالسياق.
تقلصت مساحة التفكير ورسم السياسات عند الحكومات في ظل وجود «وثائق ومسارات مرجعية» اليوم، جعلت الحكومات محظوظة برأي الخبير الدكتور خير أبو صعليك، وزادت جرعة الإجراء والتنفيذ، وهي أيضاً مهمة لا تبدو سهلة على لاعبين لا أحد يعلم بعد كيف يتم اختيارهم.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى